كاتب و ناشر من دولة الإمارات
في روايته الرائعة “الجميلات النائمات” يسافر بنا الكاتب الياباني كواباتا إلى عالم “أزمة نهاية العمر”! عن قصة مسن يحاول أن يجد نفسه في أجساد الآخرين عبر مغامرات أكبر من عمره وأصغر من سنه! يريد بها أن يسترجع ماضيه وجزءا من شبابه، هذه المحاولة اليائسة من بطل القصة كانت كأكسير الحياة بالنسبة له، هو الآن على بضع خطوات من النهاية، أقرب للموت منه للحياة وعذابات الشيخوخة تؤرقه يستمد الأمل من الجسد الآخر النائم! سمي من بعض القراء “بالعجوز المتهور” يقال إن بعض الأشياء قد لا نفهمها نحن الآن لأن لكل عمر شيفرته الخاصة. هناك أشياء لا تعني لنا الكثير لكنها تعني للآخرين حياة بأكملها. في اعتقادي أنه كان ينام بين حياتين وأصعب أنواع النوم عندما تتوسد التأمل وتلتحف التفكر. الكثير من حكايات حياتنا هي قصص غير مكتملة، نجاهد أحيانا حتى النهاية بقوة فارس وذكاء خارق لنكملها ويأبى الموت إلا أن يوقع على الصفحة الأخيرة.
(تلتفت بهدوء وتمضي.. البعض يتركون خلفهم قصصا غير مكتملة)
في محطة، في طائرة، في زحمة، أو حتى في مقهى تقابلهم صدفة ويبتسمون وتبتسم ويرحلون بعدها وترحل، وتبقى تلك الابتسامة قصة غير مكتملة وفي مشهد آخر تقابل أحدهم مستعجلا ويدور بينكما حديث ممتع، يشعرك حينها بأنك تعرفه منذ زمن، كم هو غريب أن يفهمك شخص في لحظة قصيرة جدا ولا يفهمك قريب أو صديق قضيت معه لحظات أطول. وتقول في قرارة نفسك كم سيكون جميلا لو كان هؤلاء الأشخاص جزءاً من حياتنا وفي المقابل نعيش مع أشخاص ولا نكتشف جمالهم لفرط انشغالنا بجمال آخر، ونتكلم معهم ولا نحاول أن نفهم لغتهم لانشغالنا بتعلم لغات أخرى. ولهذا يبقى الكثير من قصص حياتنا كالعادة غير مكتملة ولن تكتمل أبداً. لكن هناك دائما رأي آخر لكل مشهد من مشاهد حياتنا لأن اللحظة نفسها قد لا يهتم لها كثير من الناس، لكنها حتما تعني الشيء الكثير لآخرين من الناس وبعض هذه اللحظات قد يختلف و”اختلف” معي الكثير أن من الأفضل لها أن تبقى غير مكتملة! هذا رأيهم هم فما رأيك أنت ياعزيزي القارئ؟
(لا مفر.. عش حياتك .. لا تستطيع أن تهرب من زمنك إلى زمان آخر)
يقول غارسيا ماركيز إن الرواية الوحيدة التي وددت أن أكون كاتبها، هي: الجميلات النائمات لكواباتا وكتب لها مقدمة تعتبر في رأيي المتواضع من أفضل القصص القصيرة التي قرأتها في حياتي! أحيانا قصة قصيرة جدا تغير حياتك.
رائعة كواباتا نشرت عام 1961 وهي تحتوي على مائة وأربعين صفحة فقط كانت تعتبر رواية وهي أشبه بحكاية، كانت قالبا أدبيا جديدا أسهمت عالميا في انتشار الأدب الياباني، و فوز الكاتب بجائزة نوبل. البعض إلى الآن لا يزال يجادل في الأعمال الأدبية الجديدة والمبتكرة ويعقد لها مقارنات ظالمة! أقول لهم اقرؤوا رواية الجميلات النائمات و لا تناموا كالجميلات النائمات.
المصدر: جريدة الاتحاد