مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
علينا أن نعترف بوجود درجة عالية من الاختلافات في وجهات النظر وفي المواقف بين الناس، يبدو الأمر طبيعياً لأن البشر مختلفون أولاً، ولأن الزاوية التي تنظر منها أنت للأمر تختلف عن زاوية الآخرين، لكن يبقى هناك جذر أو مكان يتفقون حوله بالتأكيد، وإن لم يحدث ففي الأمر متسع كبير لقبول الاختلافات والتناقضات اعترافاً بأن البشر خلقهم الله مختلفين وسيبقون مختلفين.
إن الناس حين يختلفون فهم يقرون بقاعدة كونية تأسس عليها خلق الإنسان منذ الأزل، لكن علينا أن نعترف أن الاختلافات لا تكون حول الكليات المتعارف والمتفق عليها عادة، ولكن حول الإجراءات والتفاصيل، فنحن لا نختلف حول ضرورة العدالة ودورها أو حول القيم والقانون وأهميتهما.. إلخ، ربما نختلف حول الأساليب والطرق، لكننا لا نختلف حول القيمة العليا للقانون أو الأخلاق.
في النشر والثقافة هناك الكثير من القضايا الشائكة والملتبسة في بلداننا العربية، كالموقف من نشر وتداول الأدب الإباحي مثلاً، أو تداول كل ما يتعلق بعرض الأفلام واللوحات والصور اللاأخلاقية؟ فمن الذي يحدد أو يقرر فيما إذا كان ذلك مسموحاً أو غير مسموح؟ أخلاقياً أو غير أخلاقي؟ في المجتمعات العربية يكون الدين مرجعاً، وكذلك القوانين وأخلاقيات المجتمع والقيم المتبعة والأعراف المتداولة والذوق العام والذائقة الأخلاقية للمجموع، لأن المجتمعات منذ تدرجت في تطورها بنت لنفسها أنساقاً اجتماعية وسياسية واقتصادية، كما أحاطت نفسها بمعايير مختلفة تحتكم إليها عندما تختلف حول أية قضية، الأخلاق معيار وليست مبرراً أبداً!
لقد أقمنا الدنيا ولم نقعدها بسبب أحد البرامج التلفزيونية حتى تم منعه بسبب احتكامنا لهذه المعايير عند الحكم عليه، فلماذا إذاً حين يمنع كتاب مسيء، أو فيلم سينمائي غير لائق، أو مجلة، أو أي منتج ثقافي يصطدم بأخلاقيات وقيم المجتمع، يقف الكثيرون ضد قرار الحجب أو المنع باعتباره اعتداء على الحريات؟ أو دليلاً على وجود متعصبين أو متشددين يقفون وراء قرارات الحجب؟ لماذا لا يكون دليلاً على وجود حكماء يقدرون خطورة هذه النتاجات ومساوئها على القيم والذوق والذائقة؟ تماماً مثلما حدث مع أحد البرامج التلفزيونية؟
كلنا مع حرية الإبداع والابتكار والفكر والتعبير فيما يخدم المجتمع والناس والتطور والمصلحة العامة، لكن هل يبدو من الطبيعي أن نتسامح أخلاقياً مع نتاجات غير أخلاقية وغير مقبولة ليأمن الإنسان أي نوع من التهجمات عليه أو اتهامه بالتعصب مثلاً؟
تعود قضايا الحريات في أوطاننا العربية للواجهة دائماً كلما زادت أزماتنا بجميع أشكالها، طارحة إشكالية العلاقة بين الأخلاق والدين من جهة، والحرية والإبداع من جهة أخرى، فما لم نحتكم لمعاييرنا الثقافية الثابتة، فإلى أي المعايير نحتكم إذاً؟ وهل على الإنسان أن يسمح بالسفاهة والابتذال والتفاهة ضمانة للتطور، وهل شيوع التفاهة لأي سبب، مبرر للدفاع عنها، أم سبب قوي للوقوف في وجه شراستها واستفحالها؟
المصدر: البيان