كاتب سعودي
الشدائد والأزمات تظهر الصديق الموالي والعدو الكاشح على حدٍ سواء، فهي تُغربل أهواء النفوس وتظهر الصادق من الكاذب، وقد مرت المملكة العربية السعودية في الأسبوعين الماضين بقضية جمال خاشقجي، المواطن السعودي المقتول خطأً في القنصلية السعودية في إسطنبول. وبشجاعة وجرأةٍ في اتخاذ القرار، أصدرت السعودية بياناً روت فيه كل ما جرى في هذه القضية المزعجة وفتحت تحقيقاً عدلياً واسعاً، وتتولى النيابة العامة السعودية التحقيق مع جميع المتهمين وعددهم ثمانية عشر، كما أعفى الملك اثنين من القيادات العليا في الديوان الملكي وجهاز الاستخبارات، وعدداً من ضباطه الكبار، ويتم التحقيق مع الجميع للوصول للتفاصيل والأدلة كافة.
وقفت دولة الإمارات مع حليفتها السعودية، ودعمت قرارات القيادة بفتح التحقيق في القضية ومحاسبة أي مسؤولٍ عنها واعترافها بالخطأ والشفافية التي تعهدت بها في الإجراءات العدلية المتبعة، وهو موقف الحليف الطبيعي، وهو ما توالت عليها العديد من الدول العربية والإسلامية مثل البحرين والكويت ومصر والأردن وغيرها كثير، ورحبت به الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى حول العالم.
هذا التأييد الواسع للقرار السعودي مرده إلى أنه الطريق الأفضل والمخرج الوحيد لهذه القضية التي تاجر بها كل أعداء السعودية في الخليج والمنطقة والعالم، وتكالبت فيها وسائل الإعلام وتخلت عن مهنيتها ومصداقيتها، ونشرت الكثير من الأكاذيب وطفقت تتسابق في اختلاق القصص والمصادر والمعلومات، وعرضت سمعتها وتاريخها لتلطيخٍ غير مسبوق، كلّ هذا بسبب كراهية السعودية والنموذج الذي تمثله للدولة المستقرة والمستقلة برعاية شعبها ومصالحها.
يعرف الجميع ما صنعته قناة «الجزيرة» القطرية في هذه القضية وهي عادتها منذ إنشائها قبل عشرين عاماً، استهداف الدول العربية، واستهداف السعودية بوجهٍ خاصٍ، وهي أرادت أن تصنع شيئاً يشبه ما صنعته أيام الربيع العربي ضد مصر وليبيا واليمن وغيرها، أرادت أن تشعل فتنةً داخليةً وحملةً خارجية ضد السعودية، ولكن أعوانها في الداخل السعودي يخضعون للمحاكمات وغالبهم في السجون في قضايا متعددة ولا تستطيع تحريك أيٍ منهم، والقناة والدولة القطرية أصبحا محل كراهيةٍ عميقةٍ من الشعوب الخليجية بعد تكشّف مؤامرتهم الشنيعة ضد السعودية.
هناك طرفٌ لم يتم تسليط الضوء الكافي على دوره في الهجوم على السعودية، وهو التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان»، فهذا التنظيم بالغ الخطورة وواسع الانتشار، وهو تنظيم يدير استثماراتٍ بالمليارات حول العالم، هذا التنظيم الدولي كان شريكاً فيما جرى في هذه القضية وغيرها من القضايا. هذا التنظيم الدولي موجود في العديد من الدول الغربية، وهو يعمل باستثماراتٍ ضخمةٍ، ينفقها على دعم التنظيم الأم بمصر والتنظيمات كافة حول العالم، فهو موجود بقوةٍ في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها، والأكثر خطورةً اليوم ليس هذه الاستثمارات الضخمة فحسب، بل إنه تغلغل في هذه الدول والمجتمعات، وأصبح الجيل الثالث أو الرابع منه يحمل جنسيات تلك الدول ويترقى في المناصب الحكومية التي تؤثر على صانع القرار هناك، فعناصره يحملون جنسية تلك البلدان، وفكر وحقد جماعة «الإخوان».
تحرص عناصر التنظيم الجديدة في الانخراط في المناصب الحساسة والقريبة من المسؤولين المهمين، سواء في الحكومات أو في البرلمانات، حتى يدعموا التنظيم في أي مواقف مهمةٍ أو يدفعوا من يعملون معهم لاتخاذ مواقف معادية من الدول التي يعاديها التنظيم، وهم يعادون السعودية وحلفاءها أشد العداء ويتحيّنون الفرص. أخيراً، خرجت السعودية من هذه القضية أقوى وأكثر صلابةً، وهي تستمر في مشروعها القيادي في المنطقة، ولا عزاء للأعداء والخصوم.
المصدر: الاتحاد