استقطب معهد العالم العربي في باريس اهتمام سكان العاصمة الفرنسية وزائريها الذين اكتشفوا أن ساحتها تحولت إلى محطة للقطارات، وأن القطار المتوقف فيها ليس كقطارات الضواحي البشعة أو تلك فائقة السرعة التي تربط باريس بكبريات المدن وبعض العواصم الأوروبية. لا. عربات القطار المتوقف أشبه بالأسطورة. نسجت حولها الروايات التاريخية والبوليسية وحل بها نجوم الفن السابع وربطت القارات ببعضها البعض وحيكت بصددها المؤامرات. إنه «قطار الشرق السريع» (أورينت إكسبريس) الذي يستضيفه معهد العالم العربي حتى نهاية شهر أغسطس (آب) في معرض جذاب ينقسم إلى قسمين داخلي وخارجي. ومساء أول من أمس، دشن المعرض رسميا بحضور وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والسفراء العرب المعتمدين في فرنسا ورئيس المعهد جاك لانغ ورئيس شركة السكك الحديد الفرنسية، الشريك الرئيس للمعرض وحقل واسع من الشخصيات الفرنسية والعربية ووجوه المجتمع والإعلام.
الحق يقال إن المعرض إنجاز ناجح للغاية. فعربات الأورينت إكسبريس، التي كانت، أواخر القرن التاسع عشر، تنطلق من باريس مارة بالكثير من العواصم والمدن الأوروبية مثل ستراسبورغ وفيينا وبودابست وبوخارست لتصل إلى إسطنبول ومن هناك تستطيع الاتجاه نحو بغداد وحلب ودمشق، هي المعروضة في ساحة المعهد. وهي تحت أنظار الزائر بأصالتها وأشيائها الحقيقية وخصوصا بأجوائها الأسطورية.
الأورينت إكسبريس سمي في الماضي «قطار الملوك وملوك القطارات». كان، بسبب تكلفة السفر فيه المرتفعة، حكرا على أصحاب الثروات حيث إن الرحلة فيه من باريس إلى إسطنبول ذهابا وإيابا كانت تعادل مرتب شهرين لموظف متوسط. الديكور الأنيق والأثاث الجلدي والخشبي والأواني والصحون وغرف النوم والمطعم.. كل ذلك معروض للزائر الذي يخرج بانطباع أن المسافرين خرجوا منه للحظة لأن سجائرهم في المنافض ومسابحهم مرمية على الطنافس وأغراضهم الخاصة منتشرة هنا وهناك في القمرات التي تتوالى تحت أنظار الزائر..
ولاستكمال المتعة، فقد جيء بعربة المطعم الخاصة بالأورينت إكسبريس إلى ساحة المعهد حيث سيتولى أحد كبار طباخي فرنسا استعادة الأطباق الشهيرة التي كان يتلذذ بها مسافرو ذلك الزمن السعيد. وستبقى عربة المطعم مفتوحة ما بقي المعرض قائما.
هذا في الخارج. أما داخل المعهد، فقد حولت مساحة 800 متر مربع فيه لمعرض خاص بقطار الشرق السريع. المعرض يزخر بالخرائط التي تتبين مسار الأورينت إكسبريس وتروي قصة إطلاق القطار على يدي البلجيكي جورج ناجيلماكرس وأولى رحلاته في عام 1883. ويستطيع الزائر أن يعاين مجموعة من المستندات التي استقدمت من الأرشيف ومجموعة أخرى من الملصقات التي تروج للقطار فضلا عن خزائن تحوي أشياء المسافر وخرائط تبين التحولات السياسية من شرق أوروبا وحتى أطراف الخلافة العثمانية التي تقطعت أوصالها وخسرت ممتلكاتها الأوروبية لتقتصر بعدها على بعديها التركي والعربي ولتخرج من العالم العربي مع انتهاء الحرب العالمية الأولى التي خسرتها كما خسرتها حليفتها ألمانيا.
زيارة المعرض رحلة تاريخية تفتح الأذهان وتمتع النظر وتسترجع صورا جميلة من الماضي. إنها رجلة قطار الشرق السريع.
المصدر: باريس: ميشال أبو نجم- الشرق الأوسط