لعبت العديد من المنظمات والمؤسسات القطرية على مدار سنوات دوراً كبيراً في إشعال الصراعات المسلحة في العديد من الدول الإفريقية، عبر تمويل ميليشيات العنف والإرهاب بالعتاد والسلاح، وهو ما دفع إدارة الخزانة الأمريكية إلى إدراج عدد من هذه المنظمات والشخصيات القطرية على لائحة الإرهاب؛ بسبب علاقات تلك الشخصيات والمنظمات بالعديد من التنظيمات الإرهابية، خاصة المنتشرة في منطقة غرب إفريقيا، التي تضم ست عشرة دولة، وتعد حاضنة طبيعية لقوى الإرهاب، خاصة فلول «القاعدة» الهاربة وتياراتها الفكرية المختلفة.
تشير العديد من التقارير الغربية إلى تورط قطر في تمويل العديد من الجماعات المسلحة في العديد من دول القارة الإفريقية، خاصة منطقة الساحل الإفريقي، مشيرة إلى ما قدمته قطر من دعم مالي وتدريبي لحركة «أنصار الدين» المسلحة في مالي، التي تعد إحدى الأجنحة التابعة لتنظيم «القاعدة»؛ وذلك في أعقاب عملية التدخل العسكري الفرنسي في مالي في يناير من عام 2013، فيما أطلق عليه حينذاك «العملية سرفال»، وهو ما يفسر إلى حد كبير، الموقف القطري من العملية، قبل أن تكشف العديد من دوائر الاستخبارات الغربية لاحقاً، حجم المساعدات التي قدمتها إلى عدد من الحركات والمنظمات الإرهابية في المنطقة، وعلى رأسها «حركة التوحيد والجهاد» في غرب إفريقيا، و«الحركة الوطنية لتحرير أزواد»؛ بل ويمتد نشاطها إلى دعم ميليشيا «القاعدة في المغرب الإسلامي».
ويعزو كثير من المراقبين التحركات القطرية والمليارات التي أنفقتها الدوحة على دعم ميليشيات الإرهاب في مناطق الغرب الإفريقي، إلى تطلعها الدائم للعب دور «الوسيط» في الصراعات الدائرة بالمنطقة، بين فرنسا من جهة، والحركات المسلحة من جهة أخرى، وأن تضطلع هي في أوقات الأزمات بتقديم الحلول والمشاركة في التسويات والاتفاقات المحتملة، على ما تتضمنه تلك التسويات من نصيب وافر من الثروة الغازية والبترولية الهائلة الموجودة في تلك البلدان.
على مدار سنوات لعبت قطر دوراً كبيراً في إذكاء الصراعات المسلحة، في العديد من دول الغرب الإفريقي، التي تحولت بسبب أزماتها السياسية والاقتصادية إلى بيئة حاضنة للعديد من التيارات الإرهابية والمتطرفة، وقد لعبت قطر حسب كثير من الدراسات الأمنية دوراً كبيراً في نقل العديد من العناصر «القاعدية» الأكثر خطورة إلى تلك البلدان، التي تعيش شعوبها ذات الأغلبية المسلمة، أحوالاً اقتصادية غاية في الصعوبة، كانت هي البوابة للتدخل القطري واللعب من خلف ستار، على نحو ما فعلت إبان «الثورة الليبية»، وهو ما دفع الكثير من المراقبين إلى اتهام الدوحة صراحة باغتيال معمر القذافي.
قبل أيام، اتهم قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، قطر بدعم جماعات الإرهاب في ليبيا، مشيراً في بيان أصدره الأسبوع الماضي، إلى أن التحريات التي انتهى إليها الجيش الليبي أثبتت تورط أفراد من جاليات إفريقية من بينهم تشاديون وسودانيون، دخلوا إلى البلاد عبر الحدود المفتوحة، بعد استلامهم «مبالغ مالية من دولة قطر» مؤكداً أن «القوات المسلحة الليبية تراقبهم، وأن حسابهم سيكون عسيراً».
وتقدر دوائر بحثية واستخباراتية حجم التمويل الذي قدمته الدوحة إلى الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة في ليبيا، منذ اندلاع الثورة الليبية في 17 فبراير من عام 2011، بنحو 750 مليون يورو، وأن هذا الدعم تراوح بين السلاح والعتاد والرجال أيضاً، عبر استخدام مجموعات من الجنود المرتزقة للقتال إلى جوار تلك الميليشيات المسلحة، التي نفذت العديد من العمليات الصعبة على أرض المعارك في ليبيا، وهو ما كشفته مجموعة من الوثائق التي نشرها الصحفي الأمريكي الأشهر سيمور هيرش قبل نحو عام، التي تفضح الدور القطري في مساعدة «الميليشيات المسلحة» في سوريا، عبر ما يصفه هيرش ب«خط الجرذان» وهي قناة خلفية أسستها قطر في عام 2012 بالتعاون مع تركيا، كممر آمن لتسلل العناصر المسلحة إلى الأراضي السورية.
استخدمت قطر في تحركاتها المشبوهة داخل القارة الإفريقية عدداً من المنظمات الخيرية والإنسانية؛ إذ كانت هذه المنظمات هي البوابة الملكية لتمويل ودعم جماعات الإرهاب والعنف المسلح، وعلى رأسها «منظمة الكرامة» ومقرها الرئيسي في جنيف، وهي واحدة من المنظمات التي صنفت دولياً كراعية للإرهاب على المستوى العالمي، وقد اتهم النعيمي في وقت سابق، بتحويل مبالغ شهرية لا تقل عن مليون دولار إلى مسلحي «القاعدة» في العراق وسوريا، الأمر الذي تسبب في إدراج اسمه على اللائحة السوداء للإرهاب.
ينظر كثير من الباحثين في ملف الجماعات الإرهابية المسلحة إلى الشيخ القطري عبد الرحمن النعيمي باعتباره الأب الروحي الجديد لجماعات الإرهاب حول العالم، استناداً إلى دوره الذي يمتد من دعم «جبهة النصرة» في سوريا، إلى «جيش المجاهدين» في الصومال، و«جماعات الجهاد» في غرب إفريقيا، وتنظيم «القاعدة» في مالي، ويصف الكاتب بلال الدوي في كتابه «قطر «إسرائيل» الصغرى» النعيمي بأنه رجل يتخفى وراء التجارة والأعمال لدعم جماعات الإرهاب. وكشف أن عبدالرحمن النعيمي أمر بتحويل نحو 600 ألف دولار لحساب تنظيم «القاعدة» عبر ممثل التنظيم في سوريا «أبو خالد السوري».ظل النعيمي لسنوات هو الداعم الرئيسي للعديد من الحركات المتطرفة في إفريقيا، وعلى رأسها «حركة الشباب» الإرهابية و«بوكو حرام» في نيجيريا، ويشير الكتاب إلى أن النعيمي قام في عام 2012 بتقديم ما يقرب من 250 ألف دولار، لشخصيتين من «حركة الشباب» الإرهابية في إفريقيا، كانا قد أدرجا على لائحة الإرهاب التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يكن النعيمي ومؤسساته الخيرية فحسب هو الذراع الرئيسية للنظام القطري في دعم قوى الإرهاب؛ إذ تكشف العديد من الدراسات الصادرة عن مؤسسة دعم الديمقراطية الأمريكية عن تورط شخصيات أخرى في دعم وتمويل قوى الإرهاب في العديد من مناطق العالم، وتقول الدراسة، إن قيادات في تنظيم «القاعدة» «تلقت دعماً من مانحين قطريين أو مقيمين في قطر»، من بينهم عبد العزيز بن خليفة العطية ابن عم وزير الخارجية القطري السابق، الذي سبق وأدين من قبل محكمة لبنانية بتمويل منظمات إرهابية دولية، وبأنه على صلة بقادة في تنظيم «القاعدة».
على مدار نحو عقدين من الزمان، لعبت الأداة الإعلامية القطرية المتمثلة في «قناة الجزيرة» دوراً لافتاً في دعم قوى الإرهاب والتطرف في المنطقة العربية، بعدما استخدمتها الحكومة القطرية أداة للتواصل مع تلك القوى؛ بل استخدمتها بوقاً إعلامياً مجانياً لقادة العديد من التنظيمات الإرهابية، ولعل اللقاء الحصري الذي أجرته «الجزيرة» مع الأب المؤسس لتنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن عام 1998، يكشف جزءا من ذلك الدور الخفي للقناة القطرية، التي نقلت فيما بعد تصريحات لباقي زعماء «القاعدة»؛ حيث نشرت خطاباتهم المتلفزة على نحو ما جرى مع الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري، ومن بعده قادة التنظيم في العراق، ثم العديد من رسائل الذعر التي بثها تنظيم «داعش» الإرهابي على مدار العامين الماضيين، والمتمثلة في أشرطة الذبح والحرق، التي انفردت الجزيرة حصرياً ببثها، مثلما كانت المنصة الرسمية لإطلاق بيانات «القاعدة» من قبل.
المصدر: الخليج