«أراد أن يجملها فزادها قبحاً» هذا أقل ما يمكن أن يقال عن محافظ بنك قطر المركزي الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني، عندما أراد أن يبرر ويقيم ما يتعرض له اقتصاد الدوحة بعد الأزمة الخليجية الأخيرة، ويحاول، في يأس، أن يقلل من الآثار السلبية التي تعرض لها اقتصاد قطر بعد القرار الخليجي بقطع العلاقات مع الدوحة بسبب السياسة الرعناء التي يعاند بها آل ثاني أشقاءهم ومحيطهم العربي والتي تسببت في تخفيض التصنيف الائتماني لقطر وبنوكها وشركاتها.
وبحسب تقرير لشبكة «سي ان بي سي» حاول بن سعود وهو يتحدث عن سحب ستة مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية في قطر منذ بداية المقاطعة، أن يقلل من أهمية المبلغ، معتبراً إياه «مبلغاً صغيراً» لا يشكل تهديدا، لكن المسؤول القطري نسي في خضم هذا الحديث، غير المسؤول، أن دلالات ما أثير وما أعلنه من سحب هذه الاستثمارات، إنما يعبر بشكل رئيسي عن مسألة في غاية الأهمية وهي: أن قطر لم تعد ملاذا آمنا وجاذبا للاستثمارات الأجنبية وأن الثقة في الاقتصاد القطري تزعزعت، وأن نظرة كبار المستثمرين العالميين إلى فرص الاستثمار في الدوحة باتت أقل كثيرا عما كانت عليه بسبب السياسات القطرية الداعمة للإرهاب، فالمستثمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخاطر برأسماله في مكان يعلم جيدا أن فرص الاستثمار فيه محفوفة بالمخاطر وأن الدولة التي يستثمر بها تتعرض لعقوبات اقتصادية من كيانات اقتصادية مشهود لها بالقوة والنفوذ.
تلميع اقتصاد منهار
وحاولت ماكينة الإعلام القطرية أن تلمع صورة الاقتصاد وتبرر ما يحيق به من مخاطر، لكنها فشلت في ذلك، فعندما قال محافظ المصرف المركزي القطري: «إن المبلغ غير مهم وأنه تم سحبه خلال اليومين الأول والثاني من بداية الأزمة من قبل مستثمرين غير مقيمين»، فإن هذا يعني أن قراءة مسؤول على هذا القدر من الأهمية للأسف هي قراءة تشوبها السطحية الشديدة وتفتقر للرؤية العميقة والتحليل المنطقي للأمور، فالعبرة ليست بكم المبلغ، وإنما بدلالة هذا السلوك من قبل مستثمرين عالميين.
اعتراف صريح دون قصد
واعترف المسؤول القطري، دون قصد منه، بأن سحب الاستثمارات بهذا الحجم غير مألوف في قطر قبل الأزمة، وأن المبالغ التي تم سحبها تفوق المبالغ التي دخلت قطر بعد الأزمة. واعتراف من هذا النوع يشير بوضوح إلى أن قطر ما قبل الأزمة هي بالتأكيد تختلف عما بعد الأزمة، لكن النظام الحاكم في الدوحة يستكبر عن قراءة هذه الأمور على حقيقتها، محاولا جاهدا ليّ الحقائق وتوظيفها خطأ لصالحه.
وادعى محافظ قطر المركزي أن «بعض تلك الاستثمارات خرجت على شكل نقد أجنبي وهو أمر عادي رغم أننا لم نشهد سحب ودائع بمبالغ كبيرة من احتياطياتنا لكننا مقتنعون بأن المبلغ الذي تم سحبه الشهر الماضي كان عاديا».
هبوط حاد للبورصة
وهبطت بورصة قطر منذ بداية المقاطعة إلى مستويات قريبة من الانهيار وفقد الريال القطري كثيرا من قيمته، بينما خفضت وكالات التصنيف الائتماني ومنها موديز التصنيف السيادي لقطر من «مستقر» إلى «سلبي». وحاول حاكم المصرف التقليل من شأن الآثار السلبية لتلك الإجراءات على اقتصاد بلاده ونظامها المالي مدعياً أن سوق الأسهم القطري لا يزال يستقطب مستثمرين أجانب.
وقال: «لا يوجد خطر فعلي. هناك 120 صندوق إدارة أصول وصناديق استثمارية ومستثمرون أفراد مهتمون بالاستثمار في قطر وهي ظاهرة لم نشهدها من قبل». لكن المسؤول القطري ابتعد عن الحقيقة تماما في هذه التصريحات، فكل التقارير الأخيرة تؤكد أن هناك حالة من «الهروب الكبير» للمستثمرين من قطر وليس هناك إقبال عليها، كما يدعي.
الاحتياطي النقدي
وزعم حاكم المصرف المركزي أن لدى حكومته الكثير من الاحتياطي النقدي في حال استمر المستثمرون في سحب أموالهم من البلاد. وادعى أن النظام المصرفي القطري يتمتع بملاءة مالية قوية ويتوافق مع شروط (بازل2) فضلا عن وجود نشاط جيد بين البنوك القطرية وهي مستقرة حتى هذه اللحظة على حد زعمه. وتوهم المسؤول القطري أن اقتصاد بلاده سيكون قادرا على تحمل تبعات المقاطعة والصدمات المالية التي تتسبب بها داعيا المستثمرين الأجانب للاستثمار في قطر، وهو توهم مخالف لما تفصح عنه وكالات التصنيف العالمية بأن اقتصاد قطر على وشك الانهيار.
بلد آخر
وأغلق المسؤول القطري عينيه تماما أو كأنه وضع رأسه في التراب عندما ادعى أن بلاده لا تواجه تحديات تذكر وأن دفاترها مفتوحة لمن يريد مراجعتها، وهو بذلك كأنما يتحدث عن بلد آخر وليس عن بلد يعاني اقتصاده من أزمة طاحنة طالت حتى أبسط أنواع المواد الغذائية والتي أصبح تأمين توفيرها مهمة شاقة وعسيرة وباتت تتكلف أضعاف ما تكلفته في السابق قبل الأزمة.
مطرودة إقليمياً
وتشعر قطر حاليا بأنها مطرودة من محيطها الخليجي والعربي بعد قرار المقاطعة الذي فرضته عليها السعودية والإمارات والبحرين ومصر بسبب سياساتها الداعمة للإرهاب. لكن عبد الله بن سعود توهم أن: «قطر لديها نظام فريد ومتميز وتنفذ قوانين رسمية لمكافحة الإرهاب، وأن هذه القوانين تخضع لمتابعة صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات العالمية ذات الصلة»، وهو ما لا يتفق مع ما أعلن عنه من أدلة دامغة وموثقة ومؤكدة بأن هناك مليارات الدولارات التي خرجت من قطر في صورة عمولات مشبوهة لدعم حركات إرهابية في مصر وليبيا وغيرها من البلدان التي عانت من نظام الحكم القطري وسياساته الرعناء.
شعور بالقلق
كما زعم حاكم المصرف المركزي القطري أن موجودات البنك من القطع الأجنبي تبلغ 40 مليار دولار فضلا عن موجوداته من الذهب، كما أن هيئة الاستثمار القطرية تملك 300 مليار دولار من الاحتياطيات القابلة للتسييل، وأسهب في الحديث عن استثمارات بلاده في النفط والغاز والتي لم تشهد أي اضطراب حتى الآن على حد زعمه. وختم تبريراته بالقول: «نحن لا نعتقد بوجود ما يثير القلق حتى هذه اللحظة، فكل ما يمكنني قوله هو أن وضعنا متين ومستقر ومرن حيال أي نوع من أنواع الصدمات». لكن أجمع المراقبون على أن إحساس المسؤول القطري بوجود ما يثير القلق كان واضحا في تأكيده على متانة اقتصاد قطر ونظامها المالي في وجه التحديات والصدمات الطارئة طوال حديثه.
تصنيفات سلبية
وكانت وكالة التصنيف «موديز إنفستورز سيرفيس» غيرت في وقت سابق من هذا الشهر نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني القطري إلى سلبية من مستقرة مستندة إلى مخاطر اقتصادية ومالية نشأت عن الخلاف القائم بين قطر وأربع دول عربية أخرى. وما زال القطاع المصرفي القطري يعتمد كثيرا على التمويل الأجنبي، إذ إن 36 بالمئة من إجمالي التزامات البنوك التجارية في مايو / أيار كان لأجانب من بينهم آخرون في مجلس التعاون الخليجي البالغ عدد أعضائه ست دول. وجمدت بنوك سعودية وإماراتية وبحرينية بالفعل إلى حد بعيد الأنشطة الجديدة مع قطر بناء على توجيهات من البنوك المركزية لتلك الدول واقتفت أثرها بعض البنوك الأجنبية التي ساورها القلق.
تراجع صندوق قطر للاستثمار
أعلن صندوق قطر للاستثمار، أمس، أن صافي قيمة أصوله تراجعت في الربع الثاني من العام الجاري؛ وذلك بعد أن عانت المؤشرات والأسواق القطرية بشدة جرّاء المقاطعة التي تعانيها قطر حالياً. وقال الصندوق في بيان له، إن صافي قيمة أصوله هبط بنسبة 12.3% خلال ثلاثة أشهر بنهاية 30 يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بهبوط بلغ 13.1% بمؤشر قطر.
ارتفاع تكلفة التأمين على الديون
قالت وكالة «موديز» في تقرير لها، إنه من المتوقع أن تتصاعد العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التي تفرضها السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، بعد رفض الأخيرة المطالب المتعلقة بوقف دعم الإرهاب. وفي أعقاب هذه العقوبات ارتفعت تكلفة التأمين على ديون قطر لمدة 5 سنوات، التي تقيسها الوكالة، بواقع 0.53% أو 22 نقطة أساس في ال 29 من يونيو/ حزيران، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2010.
اتهامات جديدة لباركليز بـ«المساعدات القطرية»
يستعد مكتب تحقيقات الاحتيالات في المملكة المتحدة لاتخاذ قرار حول توجيه التهم لبنك باركليز، حول التمويل القطري الطارئ في عام 2008، وصرحت مصادر مطلعة على الوضع، بأنهم يتوقعون أن يصدر هذا القرار خلال أسبوعين. وبحسب صحيفة «فايننشال تايمز»، من المتوقع أن يواجه باركليز في غضون أسبوعين مجموعة ثانية من التهم الجنائية حول التمويل القطري، عندما لجأ البنك إلى المستثمرين القطريين للابتعاد عن سيطرة الحكومة البريطانية.
وكان المصرف قد واجه تهم الاحتيال عن طريق التمثيل الزائف وتهمة مساعدة مالية غير مشروعة، بعد عقد اتفاقات مع قطر في نفس الوقت الذي شاركت فيه الدولة في حدثين لجمع التبرعات في يونيو/حزيران، وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2008 في ذروة الأزمة المالية. ولم يشر البنك بعد إلى دفاعه ضد التهم، وصرح أنه يدرس موقفه.
وكشف مصادر مطلعة أن التهم الجديدة تتمحور حول ما يسمى باتفاقية الخدمات الاستشارية مع قطر بقيمة 322 مليون جنيه استرليني، التي تم عقدها لأول مرة في وقت جمع التبرعات بقيمة 4.5 مليار جنيه استرليني في يونيو ثم امتدت لتصبح صفقة بقيمة 7.3 مليار جنيه استرليني في أكتوبر، كما قام البنك بإقراض وزارة الاقتصاد والمالية في قطر 3 مليارات دولار مع إنهاء صفقة أكتوبر.
المصدر: الخليج