تمتلئ الأعوام التي يمر بها الطفل ما بين السادسة والثانية عشر من العمر بالأهداف التي يريد أن يحققها لنفسه، وتتمثل في محاور أو اتجاهات ثلاثة؛ الأول محاولته أن يتعرف على ما هو خارج نطاق سيطرة الأسرة من خلال ارتباطه بالأقران من هم في مثل سنه. والثاني محاولته تأكيد استقلاليته ولو بالرفض والتمرد ومحاولة إثبات ذاته. والثالث رغبته في اكتساب المهارات والخبرات التي تؤكد أنه أصبح قادراً على الانخراط كرجل في المجتمع من حوله.
وإزاء ذلك، يجتهد الآباء والأمهات في غرس ما يعين الطفل على التمييز بين ما هو صح وما هو خطأ. وما بين ما هو مقبول وما هو مرفوض. وتلك رحلة حافلة بالمتاعب، خاصة إن لم يحاول الآباء والأمهات فهم طبيعة هذه المرحلة، وكيف يتعاملون فيها مع ابنهم بتوازن وإيجابية، من دون أن تفلت زمام الأمور من بين أيديهم. ففي كثير من الأوقات لا يتردد الأبوان في الإعلان عن فشلهما أو عن الإحباط الذي أصابهما من أن الطفل قد أصبح مصدراً للقلق وإثارة الأعصاب والتوتر. لكن تفسيراً يعني أن هناك قصوراً في فهم سيكولوجية المرحلة العمرية للطفل. وأن الخطأ الأكبر يكمن في توقعاتهما المثالية لطفلهما. فالطفل سيحاول طيلة الوقت أن يجذب الانتباه بالمزيد من إثارة الانتباه. وأنه في حاجة إلى من يراقبه دائماً ليعدل له سلوكه ويكسبه مهارة التفاعل الإيجابي مع الحياة. فالطفل في هذه الأثناء لا يشغله سوى محاولة إثارة والديه بكل الوسائل، وأن يصطنع ثورة نفسية لنفسه بهدف التربع على محور اهتمام والديه.
ويسوق البروفيسور العالمي الدكتور بنجامين سبوك 10 قواعد أساسية ومهمة تؤطر علاقة الوالدين بالطفل :
1 – لا يجب أن يتحدث الوالدان إلى الطفل من برج عال. أو يشعرانه بالدونية أو الاحتقار أو الاستهانة. فالطفل يلتقط بحساسية بالغة لهجة المتحدث وأسلوبه وغايته. بل لا بد أن يتحدثان إليه كإنسان له كيانه واحترامه وخصوصيته، وأنه دائماً إنسان ناضج أو اقترب من النضج.
2 – الحديث إلى الطفل في هدوء وثقة وثبات، والابتعاد عن لغة التعجيز واليأس والإحباط. فالطفل عندما يألف حديث اليأس يصيبه الألم، ويفقد الثقة في ذاته، لأن لغة اليأس من شأنها أن تجعله يفتقد القدرة على تخيل نفسه إنساناً ناجحاً.
3 – لابد من وضع قواعد ممكنة التنفيذ، ويحترمها الطفل، وينبه بها دائماً، مثل: مواعيد الطعام والنوم والاستحمام والنظام كعدم وضع أشياء في غير مكانها، وعدم التعبير عن رغباته ومطالبه بالصراخ والغضب، ومراعاة القواعد المتفق عليها عند الخروج، وضوابط علاقته بالأقران. وإن تلكؤ الطفل قليلا ليختبر إرادة الوالدين. عليهما التعامل معه بحزم وود، وعدم التهاون حول ما تم الاتفاق معه عليه.
4 – لا ينسى الوالدان أبداً أن الطفل سيتصرف معهما على أنهم في «مباراة». ويمكنهما تقبل ذلك بروح رياضية ومرونة وحزم أيضاً. وإشعاره أنهما يتفهمان ذلك. لكن من دون أن يفقدا أعصابهما ويقعان في فخ انفلات الأعصاب.
5 – ترك الطفل يختار طريقه بنفسه فيما يخصه وحده. ولا داعي لأن تفرض عليه اختيارات الوالدين وذوقهما في الأكل والملبس واللعب ووسائل الترفيه. ما دام لا يخرج عن النص. ولا يجب أبداً أن يشعراه خلال رقابتهما أنهما يتلصصان عليه. بل يدعانه يختار ما يحب، وأن يعبر عن اختياراته بشجاعة وثقة. فهذا يكسبه الثقة بالنفس والاعتداد بشخصيته.
6 – الطفل بطبيعته يكره الخبث، وأسلوب المناورات التي قد يمارسها الأبوان في التعامل مع احتياجاته ومتطلباته ورغباته. ومن ثم على الوالدين المصارحة والوضوح وعدم الإسراف في الوعود الوهمية غير الممكنة، أو التحايل لتمرير عجزهما أو عدم استطاعتهما.
7 – تذكير الطفل دائماً أن هناك ثوابت وقيماً أخلاقية وسلوكية لا تهاون فيها ولا جدل ولا استهتار. وأن هناك من الأمور الحياتية التي تقبل النقاش وتبادل الرأي وتتحمل تباين وجهات النظر والخلاف.
8 – تذكير الطفل دائماً أن الرقابة الوالدية تعني الإرشاد والتربية والحماية، ولا تعني السيطرة وإلغاء الخصوصية. وأن الطاعة قيمة إيجابية تنتهي إلى مصلحة الابن وتقويمه حتى يكمل نضجه وتكتمل شخصيته.
9 – لا يغيب عن الوالدين أن أي محاولة للطفل في التعبير عن رفضه، ومحاولة اختيار طريقه بنفسه لا تعني رفضه قيمة والديه ودورهما. وإنما هي عملية ديناميكية مستمرة يحاول من خلالها التعبير عن ذاته.
10 – القاعدة الأصل أن المثل والقدوة لا تعني حسن الكلام والخطاب والإسراف في التعليمات، وإنما هي ترجمة عملية بالسلوك والممارسة أمام عيني الطفل في كل المواقف.
الاتحاد