كاتبة سعودية
في ليلة حفل ماجد المهندس، كان المسرح مكشوفا من اللجنة المنظمة على المطرب، وهو وضع غريب جدا لا يحدث في أي مكان في العالم، لكن مع ذلك فتاة واحدة بعباءة ساترة وواسعة وغير ملونة ونقاب، طارت كأنها باتمان واحتضنت ماجد.
قد تكون خطتها وليدة اللحظة، وقد يكون أمرا مخططا له من قبل، لكن بلا شك الموقف صدم كثيرين، أهمهم من رأى أنها أساءت إلى الفتاة السعودية، وهم أعضاء قبيلة نحن مجتمع ملائكي، والذين وصل ظنهم بأنفسهم تبرئة مجتمعهم حتى مما حدث في مجتمع المدينة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعمر رضي الله عنه.
وبمناسبة عمر كانت فتيات من المدينة -ربما كن صحابيات، لكن قطعا هُن تابعيات، أُعجبن بفتى اسمه نصر بن الحجاج، ذكر ابن تيمية قصته، وأنه شاب وسيم، فتن نساء المدينة، فحلق رأسه فازداد وسامة، فنفاه عمر عن المدينة.
إذا لم نؤمن أننا مجتمع بشري، وظللنا نواجه هذه التصرفات بالولولة، سنستمر في خداع أنفسنا، وتحميل الشباب -خاصة المراهقين- ما لا يطيقون.
على كل حال، الأسوأ فيما يخص القيم، أن المحامين -وهم الطبقة المنوط بها العدالة- تحولوا تلك الليلة إلى قضاة، وحاكموا الفتاة وصنّفوا فعلها بجريمة تحرش، وقدموا مساعدة للقاضي بتجهيز حكم عامين سجنا، تقضيها ربما مراهقة على لحظة استفزتها مشاعر إعجاب.
إن هذا قاس جدا، لا أعني العقوبة، بل ألا يعترف مثقفو المجتمع بالمحاكمات والتحقيقات والمساءلة وظروف الواقعة، ودرجة سخفها أو أثر فعلها، ويحطموا حيوات لأناس قد يكونون مثلهم.
أين قيم العدالة والرحمة والإنسانية؟ أين دعوة القانون ألا يتخلى عن إنسانيته مع الشباب، ولا يحولهم إلى مجرمين؟ أين معلومة أن المراهق لديه ما يسمى فزة نمو لا يتحكم فيها في تصرفاته، فماذا لو كانت مجرد مراهقة؟
إن القضاة جزء من المجتمع والنيابة كذلك، وعندما يقرؤون كلام هؤلاء يتأثرون ويظنون أنهم ملزمون بالانتقام للمجتمع الملائكي من فتاة.
قبل أن تغرّد، تذكّرْ كل ذلك، وتذكر أنه لو كان للذنوب روائح لاختنق من يجلس جوارك.
المصدر: الوطن