كاتب اماراتي
عندما التقطت كتاب أليف شفق، «حليب أسود»، من رفّ مكتبتي لقراءته، ابتسمت لا إرادياً لصورة الغلاف الذي تظهر فيه شفق بفستان أسود وعلى وجهها شبح ابتسامة منتهية الصلاحية، وقلت في نفسي، هذه المرأة مهووسة باللون الأسود فعلاً!
فقد ارتدت في زفافها فستاناً أسود، وعادة ما تظهر بملابس سوداء اللون في لقاءاتها، كما فعلت في ندوتها الأخيرة في الشارقة، وها هي اليوم تختار عنواناً غريباً لكتابها يضع الكثير من علامات الاستفهام حول علاقتها الغريبة بهذا اللون، الذي أصبح مرتبطاً بالاكتئاب.
بعد ولادة ابنتها عام 2006 عانت شفق ما يُعرف بـ(اكتئاب ما بعد الولادة)، وهي التجربة التي تتناولها في كتابها هذا. وقد علقت شفق على سبب التسمية الغريبة لكتابها قائلة: «اخترت لهذا الكتاب عنوان (حليب أسود) لسببين أولهما، أنه يتعامل مع اكتئاب ما بعد الولادة، الذي أثبت لي من خلال التجربة التي عشتها معه، بأن تجربة الأمومة ليست ناصعة البياض كالحليب كما يحب المجتمع تصويرها. ثانيهما، للخروج من هذا الاكتئاب، وبسببه، كنت قادرة على على التقاط الإلهام، ومن هذا الحليب الأسود تمكنت من تطوير نوع خاص بي من الحبر للكتابة».
تسرد شفق تجارب زميلاتها من المبدعات اللائي مررن بتجارب شبيهة بتجربتها، وتحاول من خلالها الإجابة عن تساؤل أقض مضجعها: «هل سيكون للزواج والإنجاب تأثير سلبي في عطائها الكتابي؟».
فتتحدّث عن سيلفيا بلاث، التي حاولت أن تكون كاتبة وأم وربة منزل وشاعرة، ثم اكتشفت أنها فشلت في أن تكون كل أولئك دفعة واحدة، فكتبت «الكمال شيء سيء.. إنه لا يستطيع الحصول على أطفال»، وعندما وجدت نفسها عاجزة عن أداء دورها كأم وكاتبة أصيبت باكتئاب حاد، قررت على إثره أن تنهي حياتها منتحرة قائلة: «الموت فن ككل شيء آخر، وأنا أبدعت فيه».
على الرغم من أن شفق تمكنت في النهاية من النجاة بروحها من براثن الإكتئاب، إلا أن كثيرات من المبدعات ابتلعهن هذا المرض الوردي، الذي يصيب النساء ضعف ما يصيب الرجال، بحسب الدراسات.
إذ لا يمكن الحديث عن الاكتئاب دون المرور على سيرة «فيرجينيا وولف»، التي عانت كثيراً بسببه وقررت الانتحار مخلفةً وراءها إرثاً أدبياً عظيماً، ورسالة وداع مؤلمة كتبتها لزوجها قبل رحيلها، أضعها لكم بعد ترجمتها لعلّنا نبدأ بأخذ هذا المرض، الذي لا يختلف عن غيره من الأمراض القاتلة، بجدية أكبر:
حبيبي:
«أنا على يقين بأنني عدتُ لجنوني من جديد. أشعر بأنه لا يمكن أن نتحمل المزيد من هذه الأوقات الرهيبة. وأنا لن أتعافى هذه المرة، فقد بدأت بسماع أصوات، وبت أفقد تركيزي. لذلك سأفعل ما يبدو أنه أفضل ما يمكن القيام به. لقد منحتني أكبر قدر ممكن من السعادة، وقد كنت في كل شيء أفضل ما يمكن أن يكون عليه أي شخص آخر.
كنت أعتقد أنه لا يمكن لشخصين أن يكونا أكثر سعادة ممّا كنّا حتى ألمّ بي هذا الداء المريع. لا أستطيع أن أقاوم أكثر من ذلك، وأنا أعلم أنني أفسد حياتك، وأنك من دوني ستبدأ من جديد.
أنا واثقة من ذلك. ألا ترى أنني لا أستطيع حتى كتابة هذه الرسالة كما ينبغي. كما أنني لم أعد أستطيع القراءة. ما أريد قوله هو أنني مدينة لك بكلّ السعادة في حياتي. لقد كنت صبوراً معي بشكل لا يحتمل، ورائعاً معي بشكلٍ لا يصدق. أود أن أقول ذلك – والجميع يعرفه – إن كان ثمة منقذ لي فهو أنت. كل شيء ضاع منّي إلا يقيني بالخير الذي تحمله. لا أستطيع أن أفسد حياتك بمرضي أكثر من ذلك بعد الآن. لا أعتقد أن شخصين كان من الممكن أن يكونا أكثر سعادة مما كنا عليه».
المصدر: الإمارات اليوم