جاء رد فعل عدد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة وزعماء أوروبيين والشخصيات الكبرى في أوروبا، قويا عقب إعلان أكبر كارثة تهز مياه البحر الأبيض المتوسط، في واحدة من أسوأ حوادث الغرق التي راح ضحيتها 700 مهاجر.
وأكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس أنها تخشى أن يكون 700 مهاجر لقوا مصرعهم في غرق القارب المكتظ قبالة الشواطئ الليبية في البحر المتوسط.
وذكرت المفوضية وحرس السواحل الإيطالي أن «28 شخصا فقط نجوا من حادث الغرق»، وتشير شهاداتهم إلى أن نحو 700 شخص كانوا على متن قارب الصيد البالغ طوله 20 مترا. وقالت المتحدثة باسم المفوضية كارلوتا سامي: «يبدو أن هذه أسوأ كارثة نشهدها في مياه المتوسط».
وصرحت البحرية المالطية بأنها تلقت إشعارا عن قارب يواجه مشكلة عند منتصف الليلة قبل الماضية، وكان القارب على بعد نحو 126 كيلومترا قبالة السواحل الليبية، وعلى بعد 177 كيلومترا جنوب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية عندما أصدر نداء استغاثة، بحسب حرس السواحل الإيطالي.
وعلى أثر ذلك طلب حرس السواحل الإيطالي من سفينة شحن برتغالية قريبة من القارب التوجه إلى موقعه للمساعدة. وعندما وصلت السفينة إلى الموقع كان قارب الصيد قد انقلب.
ووصل 17 قاربا إلى المنطقة صباح أمس للمشاركة في عملية بحث عن ناجين يبدو أنها كانت دون جدوى. وقال حرس الحدود الإيطالي إنه «انتشل 24 جثة من مياه المتوسط في المنطقة القريبة من الحادث».
وهذه كارثة جديدة في سلسلة حوادث غرق قوارب المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي على متن قوارب مكتظة غير صالحة يديرها تجار بشر ينطلقون من ليبيا دون أي رادع وسط الفوضى التي تعم ذلك البلد. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2013 لقي أكثر من 360 أفريقيا حتفهم عندما اشتعلت النيران في قارب صيد صغير كانوا على متنه على مقربة من شواطئ لامبيدوزا.
ووصفت تلك الكارثة في ذلك الوقت بأنها إشارة تنبيه للعالم، ولكن بعد ذلك الحادث بـ18 شهرا، لا يوجد مؤشر على انخفاض عدد المهاجرين الذين يحاولون قطع هذه المياه الخطرة بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.
وتساءل رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز في بيان أمس قائلا: «هل تنتظر أوروبا أن يرتفع العدد أكثر من هذا حتى تتحرك لمواجهة الأمر؟». وأضاف شولتز أن «كلمات الحزن ليست كافية، ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي». وشدد شولتز على أن أوروبا تستطيع أن تفعل أكثر مما تقوم به الآن ويجب عليها أن تفعل ذلك.
وفي الوقت نفسه أصر شولتز على أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا وأيضا إجراء تغيير جذري في سياسة اللجوء والهجرة الأوروبية.
وطالب رئيس البرلمان بأن «يكون هناك نهج أوروبي مشترك وحقيقي، وعلى أساس التضامن، وتقدم للناس فرصة للقدوم إلى أوروبا بشكل قانوني، ويضع الأمل للناس بدلا من اليأس».
وتزداد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف من قوارب المهاجرين التي عادة ما تؤدي إلى وفاة الأبرياء الذين يستغلهم المهربون. وقالت المفوضية في بروكسل أمس إن «الاتحاد الأوروبي لديه مسؤولية أخلاقية وإنسانية». ولمحت في بيان إلى أنها «تتشاور حاليا مع الدول الأعضاء والوكالات الأوروبية والمنظمات الدولية من أجل إعداد استراتيجية الهجرة الأوروبية الجديدة» التي سيتم اعتمادها منتصف مايو (أيار) المقبل.
ولكن الاحتياج الآن هو إلى إجراءات فورية لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح. وأوضح بيان للمفوضية أن «الطريقة الوحيدة لتغيير الواقع هو معالجة الوضع من جذوره، وأنه في حال استمرت الحروب في جنوب المتوسط والظروف الصعبة، سوف يستمر الناس في البحث عن ملاذ آمن في أوروبا».
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي إن «رينزي طلب من نظرائه في الاتحاد الأوروبي عقد اجتماع طارئ هذا الأسبوع لبحث مسألة الهجرة عقب حوادث غرق مهاجرين في الآونة الأخيرة».
وأضاف المتحدث لوكالة «رويترز» أن «رينزي أجرى اتصالات بعدد من زعماء الاتحاد الأوروبي أمس، ودعاهم لاجتماع طارئ هذا الأسبوع لبحث أزمة المهاجرين المتفاقمة».
وحثت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي حكومات الدول الأعضاء بالاتحاد أمس على دعم التحرك لحماية المهاجرين في البحر المتوسط بعد واحدة من أسوأ كوارث القوارب. وأضافت: «قلنا مرارا لن يحدث ثانية.. الآن حان الوقت لأن يتعامل الاتحاد الأوروبي مع تلك المآسي دون تأخير، ونحن بحاجة إلى إنقاذ الأرواح كلها بنفس قدر حاجتنا جميعا إلى حماية حدودنا ومحاربة الاتجار في البشر». وأعلنت أن «وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي سيبحثون القضية خلال اجتماع في لوكسمبورغ» اليوم.
وبدوره، دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى اجتماع عاجل لوزراء داخلية وخارجية دول الاتحاد الأوروبي عقب الكارثة. وأصر هولاند على زيادة عمليات المراقبة البحرية والجوية بعد الحادث الذي وصفه بأنه «أسوأ كارثة تحدث خلال السنوات القليلة الماضية» في مياه المتوسط، وقال الرئيس الفرنسي: «إذا تأكد ذلك فستكون أسوأ كارثة في السنوات الأخيرة في البحر المتوسط».
وبدوره، اعتبر رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أن «مصداقية» أوروبا على المحك وحان الوقت كي «تتحرك»، وصرح رئيس الحكومة المحافظ: «هذه مآس يومية»، وذلك في خطاب ألقاه في إطار حملته الانتخابية في اليكانتي في جنوب شرق إسبانيا. وأضاف: «لا يمكن لأي بلد في العالم، مهما كانت سلطته وقوته، وأيا ما كانت إمكاناته، أن يواجه أحداثا كهذه بمفرده».
وتابع «ينبغي أن يأتي الرد من أوروبا، والكلام لم يعد كافيا. عليها أن تتحرك. نحن الأوروبيين نجازف بفقدان مصداقيتنا إن عجزنا عن تجنب أوضاع مأساوية تجري يوميا». ويعتقد أن السفينة انقلبت عندما توجه ركابها إلى أحد جانبيها لدى اقتراب سفينة تجارية منها.
وقال رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات إن «هناك مأساة تتكشف في حوض المتوسط، وفي حال استمر العالم والاتحاد الأوروبي بإغلاق أعينهم سيحاكمون بأقسى العبارات كما حكم عليهم في السابق عندما أغلقوا أعينهم عن الإبادات الجماعية».
وناشد البابا فرنسيس أمس المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لتفادي وقوع المزيد من الكوارث للمهاجرين. وقال لآلاف تجمعوا في ميدان القديس بطرس للاستماع لعظة أمس بعد أن خرج عن النص المعد: «إنهم رجال ونساء مثلنا. إخواننا يسعون لحياة أفضل. هم جوعى ومضطهدون ومصابون وضحايا حرب. هم يبحثون عن حياة أفضل». وأعرب البابا: «في مواجهة هذه المأساة أبدي ألمي الشديد وأعد بأن أتذكر الضحايا وعائلاتهم في صلواتي». وتابع: «أناشد المجتمع الدولي التصرف بشكل حاسم وسريع للتأكد من عدم تكرار مثل هذه المآسي». ثم طلب من الحشود الصلاة من أجل «إخواننا وأخواتنا».
المصدر: الشرق الأوسط