كما أشرت، يوم أمس، فإن من أبطال الحبايب الكبار، الرئيس محمد نجيب، رحمه الله، الذي كان أولّ رئيس للجمهورية في الدولة المصرية، والذي حاول البعض طمس اسمه كقائد ورئيس لسنوات طويلة.
وأنقل هنا فقرة من استعراض سيرة هذا القائد، وهو رهن الاعتقال، كما أوضحتها لنا السيدة سناء البيسي في كتابها الذي نقرؤه: «وقفز محمد نجيب فوق سطح منزل النحاس باشا ليعرض عليه في حضور مكرم عبيد ومحمود فهمي النقراشي تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، لكن النحاس رفض بشدة مطالباً بابتعاد الجيش عن الحياة السياسية وضرورة ترك هذا الأمر للأحزاب، وكان درساً مهماً لمحمد نجيب حول ضرورة فصل السلطات واحترام الحياة النيابية الديمقراطية، الدرس الذي أراد تطبيقه في عام 1954، لكن الأمور جرت بما لا تشتهي السفن ولا ما كان يأمله، فقد كان هناك رجل آخر يخرج من الظل الذي ارتاده في البداية لحاجة في نفسه.. جمال عبد الناصر». وبعد أن أعلن مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيساً للجمهورية في 18 يوليو/تموز 1953 قام بتقديم استقالته في 25 فبراير/شباط 1954، وبعدها بيوم أعيد للرئاسة ثم أعيد انتخابه في 8 مارس/آذار 1954، وفجأة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 أعفي من منصبه وتم إيداعه في المرج في فيلا زينب الوكيل على بعد 20 كيلومتراً من القاهرة.
معتقل المرج الذي عاش فيه محمد نجيب ما يقرب من ثلاثين عاماً كان قبل وصوله قد زرع في خطة مُسبقة بعشرين نقطة حراسة حول الأسوار، وفوق الأسطح وفي المداخل ليتحول إلى ثكنة عسكرية مسلحة بالمدافع والقنابل والمعدات تحسباً لمعركة حربية شرسة. ما إن دخله المساق إلى المجهول حتى جلس يلتقط أنفاسه على أقرب مقعد في الحديقة وامتدت يده إلى جيبه ليشعل «البايب» متأملاً فيما جرى وما سوف يجري وما يقوم به ما يقرب من 200 شخص من نهب الأشجار والثمار والأثاث واللوحات وأحواض الحمامات والثلاجات وحلل الطعام، وحتى رخام الدرجات وخشب الأرضيات تم نزعه.. وعندما لحقت به الزوجة كانت تحمل معها حقيبة واحدة وفي صحبتها ثلاثة أبناء والشغالة.. وباتت الأسرة على لحم بطنها حتى ظهر اليوم التالي، فلم يسمح بشراء طعام من الخارج لعدم تلقي الأوامر بذلك، وعندما صدرت الأوامر أحضر لهم الجنود عاموداً به قليل من السبانخ وقطعتين من اللحم وكبشة أرز مما تعافه النفس.. وواست الزوجة زوجها: «عوضنا على الله، واعتبره كأن حريقاً قد شب في بيتنا والتهم كل شيء».
الدور الأرضي من الفيلا التي صارت خواء تحول مع سنوات الإقامة الجبرية إلى مخزن كبير يضم مئات الكتب التي جمعها وقرأها صاحبها في جميع معارف ولغات الأرض، في الأدب والطب واللغات والتاريخ واليوجا والفلك والاقتصاد بلغات خمس أجادها محمد نجيب: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والعبرية.
ومن هذا كله، وما تُخبرنا به السيدة سناء البيسي في كتابها المُمتع هذا «سيرة الحبايب» نُدرك ويُدرك معنا كل من يقرأ هذا الكتاب الرائع أن الرئيس محمد نجيب، رحمه الله، لم يكن شخصاً عادياً جاءت به الظروف غير الملائمة وذهب يطويهِ النسيان، وإنما كان هذا الشخص يُمثل في تاريخ مصر وفي تاريخ العالم العربي علماً شامخاً يُرفرف في أعلى سارية. وما قيل وما نُشر عنه من السلبيات حول شخصيتهِ ما هي إلا فبركات إعلامية من تلك التي تضل ولا تُهدي، ومن تلك التي أضاعت الكثير من الحقائق، واستُبدلت بالزور والباطل.
المصدر: الخليج