الأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي
يحتفل العالم في 22 مايو من كل عام باليوم العالمي للتنوع البيولوجي، حيث يتم الاحتفاء بأهمية الكائنات الحية التي تبلغ أنواعها نحو 8.7 ملايين نوع مختلف تعيش ضمن منظومة متقنة بشكل عجيب من الكائنات التي لا ترى بالعين المجردة وحتى الأشجار الضخمة والحيوانات البرية والكائنات البحرية.
وتعد اتفاقية التنوع البيولوجي التي دعا إليها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 1988، معاهدة دولية ملزمة قانوناً لها غايات ثلاث: حفظ التنوع البيولوجي؛ والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي؛ والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية، ويتمثل هدفها العام في تشجيع الأعمال التي تقود إلى مستقبل مستدام.
تتميز دولة الإمارات العربية المتحدة بتنوعها البيولوجي البحري والبري، وعلى مدار العام، تحط على أرضها العديد من أنواع الطيور المهاجرة التي تأتي باحثة عن البيئة المناسبة للراحة والتغذية والتكاثر وخاصة تلك التي تسلك المسارات الأوروآسيوية ووسط آسيا. ومن بين نحو 460 نوعاً من الطيور المسجلة في الدولة، حوالي 75% منها من أنواع الطيور المهاجرة..
حيث تستضيف دولة الإمارات بشكل عام، وإمارة أبوظبي بشكل خاص، أعداداً كبيرة من الطيور المهاجرة، وتعد مناطق المد والجزر في الإمارات ملاذاً آمناً وحيوياً لمئات الألوف من الطيور المهاجرة التي تنقسم إلى نوعين؛ النوع الأول يأتي خلال أشهر الشتاء من أوروبا وآسيا الوسطى لقضاء فصل الشتاء أو يتوقف في الدولة في طريقه إلى مناطق مشتاه في أفريقيا، والنوع الثاني عبارة عن مجموعة الطيور المتكاثرة التي تزور الدولة في فصل الصيف، وبشكل رئيسي الطيور البحرية التي تأتي من المحيط الهندي للتكاثر.
ونظراً لهذا التنوع، تستمر هجرة الطيور من وإلى الدولة على مدار العام. وتعد الطيور المهاجرة، ومن بينها الصقور، جزءاً مهماً في الثقافة والتراث الوطني في دولة الإمارات، كما إنها من العوامل الأساسية للحفاظ على البيئة وجودة الحياة.
كما توفر السواحل الإماراتية الممتدة الموائل الملائمة للحياة البحرية، وتلعب الدولة دوراً ريادياً في المنطقة في تطوير ودعم اتفاقيات المحافظة على الأنواع المهاجرة مثل أسماك القرش والسلاحف البحرية وأبقار البحر.
إن الاهتمام بالبيئة والحفاظ على الكائنات الحية وتنوعها وحماية الأنواع المهددة من الانقراض، ليس جديداً على دولة الإمارات، فقد كان الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، رحمه الله، رائد الحفاظ على البيئة وتنميتها وتطوير عناصرها المختلفة، فأنشأ المحميات الطبيعية للحيوانات والطيور المهددة بالانقراض.
ويسير على خطاه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وحكومة دولة الإمارات تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقد وقعت دولة الإمارات على العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمحافظة على الأنواع وتعمل على تنفيذها في إطار استراتيجية وخطة عمل التنوع البيولوجي الوطنية 2014 -2020.
وقد انضمت دولة الإمارات إلى معاهدة الأنواع المهاجرة مؤخراً، كما إن مكتب »سكرتارية المعاهدة« اتخذ من إمارة أبوظبي مقرا له وتستضيفه هيئة البيئة أبوظبي منذ عام 2009، وتشرف الهيئة من خلاله على تنفيذ مذكرات التفاهم الخاصة بالطيور الجارحة وأبقار البحر.
وقد ساهمت هذه الاستضافة في تنفيذ مجموعة كبيرة من المبادرات الرئيسية لتطوير الشراكات، وعقد اجتماعات للدول الموقعة على الاتفاقيات، واستضافة اجتماعات الخبراء، وتطوير خطط العمل الخاصة بالأنواع المهاجرة، والاستفادة من التمويل متعدد الأطراف المخصص لمشاريع المحافظة على الأنواع في الدول النامية.
بالإضافة إلى دعمها للمبادرات العالمية لحماية الفصائل، طوّرت هيئة البيئة أبوظبي برنامجاً لتتبع ومراقبة الطيور المهاجرة عن طريق الأقمار الاصطناعية وذلك بهدف فهم أنماط تحركات الطيور ومسارات هجرتها والمخاطر التي تهددها.
ومنذ انطلاق البرنامج في 2005 تقوم الهيئة بتتبع 12 نوعاً مختلفاً من الطيور المائية والطيور الجارحة المهاجرة، وتوفر البيانات التي نحصل عليها معلومات ثمينة تساعدنا في وضع القوانين المناسبة للحفاظ على هذه الطيور وموائلها ليس على المستوى المحلي فحسب وإنما على الصعيد الإقليمي.
وقد تمكنا في الشهر الماضي من رصد طائر العقاب المنقط الكبير منذ مغادرته محمية بحيرة الوثبة للأراضي الرطبة في أبوظبي حتى وصوله إلى روسيا الجنوبية خلال رحلة هجرته لمناطق تكاثره في روسيا وكازاخستان.
وتواجه الطيور المهاجرة العديد من التحديات تتراوح بين فقدان الموائل والصيد غير القانوني أو الأسر، والتسمم وغيرها، ما يجعل عملية رصدها وحماية موائلها والحفاظ عليها ضرورة ملحة. ومن المؤسف قيام بعض الأشخاص بممارسة بيئية خطيرة تخالف قوانين حماية البيئة، بل وقوانين الطبيعة ذاتها ..
حيث يقومون بجمع بيض بعض هذه الطيور المهاجرة خلال مرورها في الدولة، ما يعد فتكاً لأمومة الطيور وتعدٍّ على غريزتها في احتضان البيض حتى يفقس، إضافة إلى إنه قد يؤدي إلى انقراض هذه الأنواع. ومن بين هذه الطيور التي يتم التعدي على بيضها طائر »الخرشنة« أو »الصّر« باللغة المحلية والذي يقطع مسافات بعيدة في ظروف صعبة لتتكاثر في أشهر الصيف وتربي صغارها.
ويعرّض هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بجمع البيض أو الصيد غير القانوني للطيور أنفسهم للحبس أو الغرامة التي قد تصل إلى عشرين ألف درهم، بموجب القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999، بشأن حماية البيئة وتنميتها..
والذي يحظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والبحرية، أو حيازة هذه الطيور والحيوانات أو نقلها أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة إلا بعد الحصول على ترخيص من السلطات المختصة، كما يحظر إتلاف أوكار الطيور المذكورة أو إعدام بيضها.
نأمل أن تنتهي هذه الممارسات البعيدة عن أخلاقياتنا وقيمنا وثقافتنا ومبادئ ديننا الحنيف. وكما نحتفي ونرحب بضيوف الدولة من السياح والزائرين من البشر، دعونا نحتفي بزوار الدولة من الطيور والأنواع المهاجرة ونوفر لها طيب الإقامة وكرم الضيافة.
المصدر: صحيفة البيان