سكون تتخلله رياح صحراء ترسم تعرجاتها على الكثبان، وضوء قناديل المساء يرفع وتيرة الترقب وهدوء ما قبل العاصفة. 6 أحصنة بيضاء تخترق صمت المشاهدة وتركض بلمح البصر على مسار الماضي معلنة بدخولها الرشيق بدء استعراض «كفاليا» الملتف بروح الأصالة المحلية لمجتمع أبوظبي. وهو الملحمة الفنية الضخمة التي تزور الشرق الأوسط للمرة الأولى وتقدم إبداعاتها في التوأمة بين الخيل والخيالة أمام جمهور مهرجان قصر الحصن اعتباراً من السبت 22 فبراير الجاري. وهو الحدث الوطني الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، تأكيداً لمكانة العاصمة على الخريطة العالمية باعتبارها وجهة مستدامة تثري ألوان المعرفة، وتثبت مرة جديدة حجم الاهتمام الوطني في ترجمة حقبة زمنية تعود إلى 250 عاما بأرقى اللوحات الناطقة إبداعاً وخيلاء.
من القراءات الأولية عن «كفاليا» الذي طاف بجولاته على العواصم العالمية، يتوقع مشاهد العرض أنه سيكون أمام عمل استثنائي لا يشبه استعراضات الأداء الأخرى. ولا يأتي ذلك من مبدأ الدمج بين الفروسية والخفة بالحركة في لوحة راقصة، وإنما من كون «كفاليا» دخلت عبر هذا العمل نحو مفهوم جديد لم تتطرق له من قبل. إذ على مدى 11 عاماً من انطلاقة الفرقة بقيادة مؤسسها ومديرها المخرج نورمان لاتوريل، لم يسبق أن دارت أحداثها حول بيئة ما كما هو الحال مع «كفاليا – قصر الحصن». فهنا يرتدي الفرسان الزي الإماراتي ويتفاخرون بالغترة والعقال، وتتباهى الفارسات بأثوابهن المزركشة وبالشيلة السوداء والبرقع المذهب. وهنا صحراء أبوظبي وبحرها وشواطئها وهنا بيوت السعف وجلسات العز وأمجاد الكبار. ومن هنا وهناك تصدح الموسيقى الحماسية المستوحاة من النغمات العربية العتيقة المطورة، وترتفع حدة الاندماج الذي تتأهب له كل الحواس. ولعبة الأوركسترا المتقنة عمل على نسج خيوطها 8 عازفين يجيدون مفردات الألحان العربية التي تصل إلى المتلقي وتأخذه معها إلى حيث يشاء من ذاكرة الزمان والمكان. إذ إن المؤثرات الصوتية تلعب دوراً أساسياً في إنجاح الاستعراض الذي تجتمع حوله كل مقومات الإبهار التفاعلي، من الصورة إلى الصوت والإضاءة والحبكة الفنية بشكلها وانطباعاتها.
تفاصيل الأصالة
وتتواصل الأحداث السريعة لـ «كفاليا» المستمرة على مدى ساعة كاملة بما يوازي هرولة الخيول، وهي تتبارى فيما بينها على حركة لا تتوقف ولا تمل العين من متابعة خطواتها. وعلى منصة فسيحة مساحتها 2440 متراً مربعاً ينزل أبطال الاستعراض فرادى وجماعات، لا تفرق بين فناني الخفة والأحصنة الـ 50 التي وصلت إلى أبوظبي قبل أسبوعين قادمة مباشرة من أستراليا. عناصر إثارة مشتركة تنبع حينا من قلب الصحراء وتهطل حينا من السماء عبر تشقلبات جسمانية تستفيد من خبرة فناني العرض في الحركات البهلوانية. ولا تقتصر صور الانجذاب للاستعراض على الأداء الخاص بالخيالة وحسب، وإنما تشكل الأحصنة جزءاً أساسياً منه، لأنها الغاية والوسيلة في آن. وهي ترصد تفاصيل الأصالة لمجتمع الإمارات أرضاً وشعباً. ويتميز استعراض كفاليا في قصر الحصن عن عروض الخيول الأخرى بكونه يمنح انسيابية الحركة للأحصنة التي تنطلق بأقصى سرعتها وبحرية كاملة من دون وجود سرج أو لجام.
وتظهر فجأة في عبقرية هندسية مشهودة ساقية ماء يبدع المخرج نورمان لاتوريل في استقدامها إلى داخل المسرح، وإدراجها ضمن سيناريو الأحداث الفنية المستلهمة من عبق التقاليد. وهي تشكل بلا منازع الشريان النابض للعمل في المقطع الثاني منه، حيث تشرب الخيول من مائها الذي يتطاير في الهواء على وقع الأقدام الراكضة والأرجل الراقصة لهواً واستمتاعاً إلى حد الطيران. وأكثر ما يجذب في اللوحات النابضة للعمل، هي حركة الخيول التي تقدم بتناغم مع أداء الفنانين أمام خلفية الصور التي تتغير تباعاً وتتغير معها الأضواء والمؤثرات الصوتية الحماسية. ويتجلى بوضوح استلهام العروض من القيم والصفات النبيلة التي ترمز إليها الخيل وأهمها الثقة والصبر.
شخصية الفارس
ويوضح إريك باكويت مدير العلاقات العامة لدى استعراضات كافاليا، أنه منذ 3 أشهر تم تفريغ طاقم من التقنيين للإشراف على صحة الخيول وليونتها، بحيث يتوافر خيال لكل خيل. والخيول المشاركة في العرض تتبع لـ 11 سلالة من الأحصنة المولودة في كندا وأستراليا والولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا. كما أن 7 منها من أصول عربية، حيث يتمحور دورها في الاستعراض المسرحي الضخم بالتأكيد على هذا الجانب الأساسي من اهتمام أبناء المجتمع المحلي بالفروسية والتمثل بشخصية الفارس. و«كفاليا» من تأسيس نورماند لاتوريل، وهي متخصصة في الاستعراضات الترفيهية المبتكرة التي يتم الانتقال بها في مختلف أنحاء العالم. ويملك فنانوها خبرة واسعة في عروض الفروسية التي تشتهر باستخدام أحدث التقنيات المبتكرة والوسائط المتعددة لإنتاج استعراضات مسرحية فريدة. ومنذ انطلاقها عام 2003 قدمت «كافاليا» لوحاتها الفنية لما يزيد على 4 ملايين شخص في أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا.
دلال ومزاجية
الخيول الـ 50 أبطال استعراض «كفاليا» لم تصل إلى هذا المستوى من الحرفية إلا بعد فترات طويلة من التدريب وحسن التعامل. وهي تلقى اهتماماً متزايداً والكثير من التدليل، بحيث تنام في موعد وتأكل في موعد ولا يطلب منها القيام بأي حركة إلا عند التأكد من قابليتها ومزاجها في التحكم بقوامها.
إبداع حركي
مشهدية الإبداع الحركي التي تجمع بين الفنانين والأحصنة على خشبة المسرح تقدم نموذجاً مثالياً للعلاقة المميزة التي تربط الإنسان بالخيل، من خلال عروض تسرد تطور هذه العلاقة على نحو مبسط. وهذا ما يترجمه استعراض «كفاليا – قصر الحصن» الذي يقام احتفاء بأقدم مبنى تاريخي في الإمارة.
عالم الأحلام
يقام العرض تحت خيمة عملاقة يصل ارتفاعها حتى 35 متراً، حيث يدخل الجمهور إلى عالم أشبه بالأحلام. وذلك عندما تتفاعل الأحصنة مع المدربين والفنانين أمام شاشة عرض رقمية يصل عرضها إلى 60 متراً. وتباع تذاكر العرض الممتد من 22 فبراير حتى 1 مارس، بـ 250 درهماً للكبار و150 درهماً للأطفال.
المصدر: نسرين درزي (أبوظبي) – الاتحاد