كاتبة سعودية
لم يخطر في باله أنّ إخلاصه في عمله كمعلم لمادة الفيزياء ومساعدة طلابه في فهم درس “الاهتزاز والصوت” بشكل عملي وممتع لا مجرد نظري يعتمد فيه على “صُموا”؛ سينقلب على رأسه ويورطه في تحقيق تتوعده به إدارة التعليم بوزارة التربية والتعليم في منطقة الشرقية كما أفادت بالأمس جريدة الحياة، فبعد محاولة طالب إيهام الناس عبر صورة التقطها خفية للمعلم أثناء شرح الدرس مع “آلة الجيتار” ونشرها عبر الإنترنت مع شائعة تعليمهم الموسيقى أحدثت تلك الحادثة موجة استنكار وغضب ضد المعلم بأنه لم يلتزم بضوابط الشريعة الإسلامية، لدرجة المطالبة بمقاضاته، ومن المؤكد أنه قال لنفسه بعد ما ثار الغضب ضده “عساهم ما فهموا!! يُصموا أفضل”.. وحتما سيفعل ذلك غيره من المعلمين بعد هذه القصة، فالأهم هو “لقمة العيش” ما دام نحن من نضع العراقيل والأسوار والحواجز والمحاذير تخويفا من أي اجتهاد تعليمي يؤدي إلى تعزيز العملية التعليمية وصحيان العقول من سباتها العميق!! لكن يبدو أن وزارة التربية والتعليم لا رغبة لها في أن تصحو العقول ولا بأس من أن تنام حد الشخير!
طبعا هذه العقلية التي لا أعلم كيف أصفها في التعامل مع هذه القضية؛ لا تختلف عن العقلية الأكاديمية التي يُفترض أن تكون أكثر تطورا وفهما وتنويرا، لكن كما يقول المثل الشعبي “اقلب القدرة على فُمها تطلع البنت لأمها”!! ما التعليم الأكاديمي سوى مخرجات التعليم العام البليد، ولهذا تعاملت العقلية “الفذة” مع الفرق المسرحية في جامعة الملك سعود خلال استضافتها لمهرجان مسرحي بالرياض منذ بضعة أسابيع تعاملا أحرجنا ثقافيا، فالجامعة الموقرة منعت استخدام الموسيقى في المسرحيات بحجة التحريم، ما جعل وفدي قطر وعمان ينسحبان من المهرجان! ولا أخفي عليكم حين قرأت الخبر قلتُ: ما دام جامعة الملك سعود غير قادرة على تنظيم هكذا مهرجان لماذا تُدخل أنفها فيه؟ إذ يُمكنها أن تقيم مهرجانات لأناشيد الأطفال وتترك المسرح لأصحابه أفضل من إحراجنا.
وبصدق؛ أنّ بعض هذه العقليات في وزارة التربية وفي الجامعات ما تزال تعيش خارج الزمن والواقع الاجتماعي، ففي الوقت الذي تبث فيه قنوات التلفزيون السعودي أغنيات وطنية بمصاحبة الموسيقى وأغنيات لمطربين بمصاحبة الموسيقى، وأيضا في ظلّ إقامة الدولة مهرجانات وطنية بمصاحبة الموسيقى كمهرجان الجنادرية ثم تأتي هذه العقليات وتقف بالطلاب خارج الواقع معززة في أنفسهم الازدواجية الثقافية والنفاق الديني، فالطالب الذي يسمع أستاذه في الفصل والجامعة يُحرم سماع الموسيقى؛ يذهب إلى البيت في ذات النهار كي يشنف أذنه لصوت محمد عبده ونبيل شعيل ورابح صقر وراشد الماجد وماجد المهندس الذي بات سعوديا بسبب قيمته الغنائية.
ما أود قوله بصراحة ورزقي على الله؛ ساعدوا المعلمين كي يوقظوا العقول! وكفاية ازدواجية ثقافية ونفاقا دينيا! وكفاية “شخييييير”!!
المصدر: الوطن أون لاين