كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
كثيرة هي تعريفات السياسة، بعضها إيجابي يصب في صالح هذا المصطلح، وينحو إلى الذكاء والحنكة في إدارة شؤون البلاد والتعامل مع الأحداث، وبعضها الآخر سلبي، ينحو بها نحو الخداع والمراوغة وتزييف الحقائق.
ويبدو أن هذا الجانب فقط هو ما يطبقه المسؤولون الإيرانيون من السياسة، خاصة عندما يتعلق الأمر بجيرانهم على الضفة الأخرى من الخليج العربي، فيسعون إلى قلب الحقائق، وتحويل الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، محاولين إقناع العالم أنهم حملان وديعة، وأن جيرانهم ذئاب ووحوش مفترسة، تريد أن تفتك بهم، وتنتزع منهم حقهم، وتفتت وحدة أرضهم، وتزعزع أمنهم واستقرارهم.
آخر التصريحات الغريبة التي صدرت عن المسؤولين الإيرانيين، هو ما خرج به علينا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي» الأسبوع الماضي، معلقاً على البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي السابعة والثلاثين، التي عُقدِت في العاصمة البحرينية المنامة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وطالبت في بيانها الختامي إيران بتغيير سياستها في المنطقة، مستنكرة تدخلاتها في شؤون دولها، ومطالبة إياها بإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى.
فما أن صدر البيان حتى خرج علينا «قاسمي» بتصريح غريب، يطالب فيه دول الخليج بالكف عن التدخل في الشؤون الإيرانية، بدل توجيه الاتهامات الباطلة، على حد قوله، مؤكداً أن الجزر الثلاث جزء لا يتجزأ من التراب الإيراني، وأن تكرار المزاعم التي تفتقر إلى المصداقية والصحة لن تؤثر على وحدة أراضي الجمهورية الإسلامية، وسيادتها على الجزر الثلاث، وفقاً لما جاء في تصريحه، معتبراً التصريحات، التي تتهم إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة مزاعم لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، منوهاً إلى أن السياسة المبدئية لإيران تقوم على حسن الجوار والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى!
تصريحات غريبة، ومنطق أشد غرابة، لا يقوم عليه دليل من الواقع، ولا تدعمه تصرفات إيران تجاه جيرانها، ولا تدخلها الصارخ في شؤون الدول الخليجية والعربية، فإيران تحتل جزر دولة الإمارات الثلاث منذ 45 عاماً، وترفض إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، لأنها تعرف جيداً أن النتيجة لن تكون في صالحها.
وإيران تتدخل في الشأن البحريني عبر تصريحات مسؤوليها العدائية، بدءاً من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وانتهاءً بمسؤولي وزارة الخارجية، وأعضاء في مجلس الشورى، إضافة إلى تصريحات ومواقف مسؤولي الصف الثاني، ورجال دين ورؤساء مؤسسات وتجمعات سياسية وغير ذلك.
وإيران متورطة في الشأن البحريني من خلال تسليح وتمويل وتدريب عناصر داخل مملكة البحرين لتنفيذ تفجيرات، الهدف منها زعزعة الأمن، وتأزيم الموقف على الساحة السياسية.
وإيران متورطة بالتدخل في الشأن السعودي، من خلال تصريحات مسؤوليها ورجال دينها ضد المملكة العربية السعودية وقيادتها، ومن خلال تدخلها المباشر في المنطقة الشرقية من المملكة، عبر إثارة الفتن الطائفية ونشر الخلافات المذهبية بين أبناء المملكة، وتغذية هذه الخلافات بهدف شق الصف السعودي، وإضعاف اللحمة الوطنية.
كما أنها متورطة في الشأن السعودي من خلال محاولتها تسييس فريضة الحج، والاتجار بها، واستغلالها للإساءة إلى المملكة العربية السعودية.
وإيران متورطة في الشأن الكويتي من خلال إنشاء شبكات التجسس داخل دولة الكويت، وزرع الخلايا المسلحة فيها، كخلية «العبدلي» التي كُشِف عنها العام الماضي، والتي كانت وراء استجلاب كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات إلى دولة الكويت، بمساعدة الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» اللبناني التابع لإيران، كما كانت وراء تجنيد عدد من الكويتيين، ودفعهم للسفر إلى لبنان لتلقي تدريبات عسكرية في معسكرات حزب الله، وإعدادهم لتنفيذ تفجيرات داخل الكويت، خدمة لمخططات إيران الإجرامية.
وإيران متورطة في الشأن اليمني، من خلال تأسيسها لجماعة «أنصار الله» الحوثية ودعمها لها، ومدها بالأسلحة والعتاد، وتدريب أفرادها من قبل ضباط الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» اللبناني، بهدف زعزعة استقرار اليمن. ولولا وقوف دول التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، أمام هذا المخطط الإرهابي الإيراني، لتحول اليمن إلى بؤرة إرهابية طائفية، وغدا مصدر تهديد لأمن واستقرار الدول المجاورة له، والمنطقة كلها.
هذه هي تدخلات إيران في شؤون دول المنطقة المجاورة لها. أما تدخلها في شؤون كل من العراق وسوريا فلا يحتاج إلى دليل أو برهان، لأنه واضح وضوح الشمس للعيان.
وما إقامة قائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، الدائمة في العراق وسوريا، وتنقله بين هذين البلدين العربيين، سوى واحد من الأدلة على تدخل إيران السافر في شؤون المنطقة العربية، وعلى أنها ماضية في تنفيذ مشروعها الاستراتيجي الذي أوشك أن يكتمل، وهو تأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين، ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص، وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط، كما أوردت صحيفة «غارديان» البريطانية قبل شهرين تقريباً، إن لم يكن أكبر من ذلك.
وبعد هذا كله يخرج علينا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ليطلب منا الكف عن التدخل في الشؤون الإيرانية، ويزعم أن السياسة المبدئية لإيران تقوم على حسن الجوار، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى! فمن نصدق: ما نراه أمام أعيننا، أم ما يقوله قاسمي وأمثاله من المسؤولين الإيرانيين، الذين يلوون أعناق الحقائق، ويستهزئون بعقول مواطنيهم، قبل أن يستهزئوا بعقولنا وعقول كل من يسمع أقوالهم ويشاهد أفعالهم؟
المصدر: البيان