إعلامي وكاتب مصري
الشيء الذي لا يجب أن يفوتنا، أن أول زيارة للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور إلى الخارج، كانت إلى السعودية، وأن أول زيارة للرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي إلى الخارج، بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة، كانت إلى السعودية أيضا.. ولكن.. شتان ما بين هذه، وتلك!
.. وقتها، كما نذكر جميعا، كان «مرسي» قد قضى في الحكم أسبوعين، أو ثلاثة، وكان كثيرون يتساءلون عما سوف يفعله، بعد أن أصبح رئيسا، وما إذا كان سيلتزم بما تعهد به، عندما كان لا يزال مرشحا، أم لا؟!
وحين التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فإنه، أي مرسي، قد ألقى بتصريحات في ختام الزيارة أثارت في حينها استياء مكتوما لدى المصريين أنفسهم، لأنه راح يتكلم عن أن في العالم الإسلامي سُنة، وشيعة، وأنه بزيارته إلى المملكة كان يضيف مع السعودية إلى الحلف الأول، في مواجهة الحلف الثاني، وكان لسان حال كثيرين سمعوا كلامه، أنه ليس من المواءمة السياسية في شيء، أن يبدأ رئيس مصر زيارته الأولى إلى الرياض، بإثارة مثل هذا الموضوع، لسببين أساسيين، أولهما أن السعودية تتجه في سياستها عموما، إلى الجمع بين المسلمين كافة، لا التفرقة بينهم، خاصة وأن فيها الأراضي المقدسة التي يقصدها كل مسلم، بلا استثناء، أيا كان توجهه السياسي، وأيا كان موقع البلد الذي ينتمي إليه.
والسبب الثاني، أن مصر بطبيعتها لم تعرف شيئا مما أثاره مرسي في أي وقت، وقد كان المصريون يعيشون منذ عرفوا الإسلام، ولا يزالون، بوصفهم مسلمين وكفى، ولو أنت سألت مصريا مسلما عما إذا كان شيعيا أم أنه سني، فسوف يستغرب منك السؤال جدا، وسوف يقابله بدهشة بالغة، وسوف يعتبر أنك تسأل عن شيء يخص علاقته بربه بكل ما لها من خصوصية بين العبد، وبين الرب!
كانت بداية لمحمد مرسي، غير موفقة، على الإطلاق، وكان في غنى عنها تماما، وكان يكفيه أن يؤكد، وهو يستهل عصرا سياسيا جديدا في القاهرة، عمق ما بينها، وبين الرياض من أواصر قوية، وممتدة، ونافذة.
وما نعرفه، أن الانطباع الأول عن الأشخاص، هو الذي يدوم، وتقديري أن الانطباع الذي تركه «مرسي» وراءه، بعد تلك الزيارة، لم يكن جيدا، ليس في داخل المملكة فقط، وإنما خارجها أيضا.. وتقديري أيضا، أن زيارته تلك، قد أشارت إلى أننا كُنا أمام رئيس جديد لمصر، في حاجة إلى أحد يعلمه، ماذا عليه أن يقول، وماذا عليه أن يفعل كحاكم.
ولذلك، فليس غريبا أن أصواتا كثيرة كانت تنادي طوال عام له في الحكم، بأن عليه أن يجلس مع شخص ذي خبرة في أعمال البروتوكول، ليرشده إلى الطريقة التي يجب أن يتصرف بها، حين يكون في محفل عام، ولم يكن هذا سينال من قدره كرئيس، فقد سبق للراحل الدكتور أسامة الباز، أن جلس مع الرئيس الأسبق حسني مبارك طويلا، وقت أن كان نائبا للسادات، لينصحه بما يتعين أن يصدر عنه، بوصفه نائبا للرئيس، ثم عندما يصبح رئيسا.. ومن بين ما قيل إن السفير رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية أيام مرسي، قد فكر في أمر كهذا، بالنسبة للرئيس الإخواني، وكان اسم الدكتور مصطفى الفقي يراود الطهطاوي، في هذا الاتجاه، لولا أنه كان يعرف مسبقا، أن الإخوان يحسبون الفقي، على نظام مبارك، وأنهم لن يقبلوا به، في هذا الإطار، فأضاعوا فرصة عُمر كانت متاحة أمامهم، ولن تتكرر!
فإذا تجاوزنا السلوك البروتوكولي، من جانب مرسي إلى جوهر الفكر الذي كان يؤمن به، هو وجماعته، تبين لنا أنه لم يدرك، منذ صار رئيسا، أن فكر «الجماعة» غير فكر الدولة بالضرورة، وأن ما كان يعتنقه عندما كان عضوا في الجماعة الإخوانية ورئيسا لحزبها، يستحيل أن يستقيم من جانبه، مع فكر دولة بحجم، وتاريخ، وطبيعة مصر.
لم يدرك هذا، مع الأسف، ولا أدركته جماعته، لا على مستوى الدولة المصرية، كوطن، ولا على مستوى الدول العربية، باعتبار أن كل واحدة منها، تمثل وطنا له سيادته التي لا يجوز العبث بها، ولذلك، فبدلا من أن يرسخ خلال زيارته الأولى إلى السعودية، لعلاقات أقوى، وأعمق، بين البلدين، فإنه عاد من زيارته لتبدأ العلاقات بينهما، مرحلة من البرود، كان يزداد يوما بعد يوم، طوال العام الذي حكم فيه الإخوان، ولم يتبدد، إلا برحيلهم في 30 يونيو الماضي، على أيدي ثورة جرفتهم في طريقها.
ويجب ألا ننسى، أن مهدي عاكف، المرشد العام الأسبق للجماعة، عندما سُئل عما إذا كان محمد بديع مرشد الجماعة من بعده، يتدخل في شؤون الحكم في مصر، فإنه رد قائلا بما معناه إن بديع «مش فاضي لمصر» لأنه، يقصد بديع، مسؤول عن 83 دولة.. وهي طبعا الدول التي للجماعة أفرع فيها!
ماذا يعني هذا؟! يعني أن مرسي وهو يزور السعودية، لم يكن صادق النية، ولم يكن يتطلع إليها باعتبارها دولة ذات سيادة وطنية، وإنما باعتبارها مجرد ولاية، من ولايات خلافة إسلامية وهمية، يسعى مع جماعته إلى إقامتها في 83 دولة!
هنا يكمن الفرق، بين منصور وهو يزور مقدرا وشاكرا الدعم السياسي المطلق، ومثمنا، وبين مرسي وهو يزور مرائيا، ومتظاهرا بما ليس في صدره، ومتربصا!
المصدر: صحيفة الحياة