كاتب سعودي
ببرود شديد وهدوء عجيب وبساطة متناهية، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صاروخا موجها لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري يحمل رأسا ناسفا لمصداقية ما قاله أمام لجنة مجلس الشيوخ لتبرير الحصول على موافقة لشن ضربة عسكرية يريد الرئيس أوباما توجيهها للنظام السوري بسبب استخدامه سلاحا كيماويا ضد المواطنين الأبرياء. لم يتردد بوتين ولم يحرجه وجود أوباما من القول عن كيري: (إنه يكذب، ويعرف أنه يكذب. إنه لأمر محزن). وعلى خلفية هذا الهجوم الصاعق انبرت وزارة الخارجية الأمريكية على لسان متحدثتها جين ساكي لتقول إن الوزير كيري لم يذق طعم النوم بعد سماعه تصريح بوتين، وأن أشياء كثيرة صوبت تجاهه غير تهمة بوتين، لكن تأريخه كواحد من قدامى المحاربين شفيع بتوضيح حقيقته.
والحقيقة يصعب علينا أن يصاب السيد كيري بالأرق في هذه الظروف الدقيقة؛ لأن الأرق أحد أهم أسباب عدم التركيز في اتخاذ القرارات، وإذا حدث ذلك لوزير الدولة التي تصر على إدارة العالم، فإن هذا العالم سيصبح أكثر خرابا مما هو عليه. تصوروا عندما يكون كيري سهرانا وجريحا محزونا بسبب هذه التهمة التي وصمه بها بوتين، وأراد أن ينتقم لنفسه بتمرير فكرة ما من شأنها تدمير كل شيء، وغلبت الكبرياء الأمريكية على منطق الحسابات والمماحكات التمثيلية بين الصقور والحمائم، وتناسوا كل ذلك ثأرا للمصداقية الأمريكية التي مرغها بوتين في الوحل، ثم وافقوا جميعا على أي قرار كارثي، تصوروا ماذا سيحدث؟
لن يحدث شيء بكل تأكيد.. لسبب أبسط من البساطة: كلهم يكذبون ونحن في هذا العالم العربي الرث نبلع كذبهم؛ لأننا لا نستطيع أن نواجهه وندحضه ونقف أمامه. فإذا كان الوزير الأمريكي كاذبا، هل يستطيع بوتين أن يخرج على العالم بشهادة براءة من الكذب الذي يتخذ أشكالا وألوانا متعددة تحت مسمى السياسة والدبلوماسية؟
كلهم يكذبون على بعضهم البعض، لكنهم يتفقون في النهاية على حساب البيدر ويتبادلون القبلات والأنخاب في الغرف الخلفية، ونحن نصدق أنهم مختلفون، وأن خلافهم قد يصل إلى حد إشعال هذا الكوكب. يلعنون بعضهم البعض، ويتبادلون أقسى التهم، لكن في نهاية اليوم نحن الوجبة التي يستمتعون بالتهامها حتى العظم.
سوف يعرضون لنا مسرحية على الفضائيات، لكننا لا نرى ما يحدث في اللحظات الحميمة التي ستصلنا نتائجها عاجلا وآجلا، وبالتأكيد لا حاجة لتوضيح نوعية هذه النتائج.
المصدر: عكاظ