كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
أندم أنني لم أفعل ما دعوت إليه عدة مرات، وسأدعو إليه هنا مرة أخرى عندما تكون الفرصة مؤاتية، قبل عدة سنوات فزت بعضوية هيئة الصحفيين السعوديين، فأخذت أتحدث عن ضرورة التعاون بين كليات الإعلام والمؤسسات الصحفية، لكي تطور هذه الكليات مناهجها بالتعرف على حقيقة احتياجات سوق العمل، حتى لا يذهب جهدها هدراً ومعها خريجون شباب، قليل منهم من يصلح للعمل في مجال الصحافة والإعلام.
نويت يومها أن أرتب لاجتماع بين الهيئة ـ والتي كان مجلس إدارتها مشكلاً من قيادات الصحف السعودية وأساتذة كليات الإعلام ـ فكنا نشكل معاً «الوصفة» المناسبة لهذا المشروع الطموح، التقيت بعميد إحدى الكليات في أحد منتديات الإعلام الخليجية، وطرحت عليه فكرتي فرحب بها بشدة، وتواعدنا على لقاء في الرياض، لم يحصل ذلك اللقاء حتى الآن، وكذلك الاجتماع بين الهيئة والعمداء، ذلك أنني كنت أعود إلى صراع العمل اليومي في الصحيفة، وما يحمل من ضغوط أقلها «زعل» هذا وذاك، وهي خصوصية نتمتع بها مع بعض جيراننا، وكلما قل هذا «الزعل» كلما ارتقينا درجة في سلم حرية الصحافة.
كنت أقول دوماً ـ وعن معاينة وتجربة ـ إن كليات الإعلام لدينا لا تخرج كفاءات قادرة على المنافسة والإبداع في صحافتنا، والسبب أنها غير متواكبة مع تحولات الصحافة والإعلام، لا فنياً ولا مهنياً، فبينما تجري تحولات كبرى في فنون الإعلام بسبب ثورة المعلومات والإعلام الاجتماعي، فإن كلياتنا لا تزال تدرس كتب 1980.
في كل منتدى إعلامي أدعى إليه للحديث، أكرر دعوتي لكل أستاذ إعلام أن لا يطبع كتابه الذي أنهاه البارحة، لأن ثمة ما تغيُر منذ الأمس في فنون الإعلام وأساليب الاتصال، من الأفضل لو جعل كتابه صفحة على الفيس بوك، ويدعو الشباب ليضيفوا ويعدلوا عليه، بالطبع لم يستمع أي أحد منهم لنصيحتي.
كل هذه التحولات حصلت وتحصل على الصحافة الورقية التي أتوقع أن تموت بوفاة آخر واحد منا نحن الذين لا نزال نتصفحها كل صباح وتعودنا عليها، بينما جيل جديد يكبر أمامنا ولم يشتر صحيفة ورقية واحدة بعد، فهو يتلقى أخباره عبر وسائل الإعلام الجديد التي تتطور وتتشكل لترث صحافة الورق.
فكأنني انتقلت فاراً بوظيفتي من تلك الصحافة المنقرضة إلى إعلام التلفزيون، عندما قبلت بمهمة تأسيس قناة عربية إخبارية جديدة، ولكن هذا العالم يتعرض إلى تحولات لا تقل أهمية، وتصب في صالح الشباب، فأنظمة تحرير الأخبار الحديثة تختصر المهام وتجمعها في يد صحفي واحد يقوم بالتحرير والتصوير والإخراج والإعداد والبث، بينما يجد الجيل «القديم» – وأتحدث عمن هم في منتصف الأربعينات – صعوبة في فعل ذلك، رغم خبرتهم العريضة، ذلك أنهم نشأوا في بيئة توزع تلك المهام على فريق يعمل بتكامل، فيقول الخبراء إن تدريب شاب نشأ يتعامل مع سمارت فون واحد في يده، يصور ويكتب ويحرر ثم يبث ذلك، يجعله أقدر على التمرس على الأنظمة المتطورة المتاحة.
أين هؤلاء الشباب؟ إنهم في كليات الإعلام، ولكن تلك الكليات بعيدة عن كل التحولات السريعة الجارية، والتي قلما يحضر أساتذتها معارض تقنيات البث التلفزيوني الدولية، والتي حضرت بعضها فلم أر أياً منهم، باختصار ثمة فرصة مغرية للشباب للحصول على وظائف جيدة جداً، ولكنهم بحاجة إلى تدريب، والتدريب في الكلية، والكلية لا تزال تُدرس فنون المقال والتحرير الصحفي بلغة 1980.
المصدر: مجلة روتانا