بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

كم من العمر مضى يا صديقتي!

آراء

شاهدتُ حالات زواج تمَّتْ بعد مضي الوقت المناسب لبناء عائلة، ولولا قصة حب قديم استطاعت أن تنتظر وتصمد لما تمتْ لاحقاً، حين وجد الطرفان نفسيهما في نهاية المطاف على المسافة عينها من الخسارة، لكنها خسارة لا تتساوى فيها الأنثى مع الذكر، لأنها دفعت الكلفة الأعلى. ما قصدته هو مشاهدتي لنساء يتزوجن في سن متأخرة، بعضهن تجاوزن الـ40، وحين سألت: كيف حدث هذا؟! قالوا لي إنها استطاعت الزواج أخيراً بعد موت والدها! هذا هو الثمن الذي دفعه الوالد، وهو في قبره، سقوط القرار، فابنته كي تتزوج بمن أرادت كان عليه أن يموت، والإخوة الذين تزوجوا وتفرقوا في بيوتهم وعائلاتهم وجدوا أن من المحزن أن تموت أختهم في بيتها وحيدة، طالما أن الوالد مات.

الفارق الذي حدث بين الطرفين، الشاب والشابة، أن الرجل استمرت حياته ظاهرياً، فقد تزوج وأنجب أطفالاً وكبروا، وحالما توافرت له فرصة العودة لفتاته التي كبرت وتجاوزت الـ40، عاد وأعلن استعداده للوفاء بعهد قديم. بعضهن عدن فقط من أجل مواجهة ملل الحياة وسأمها بحب يرطبها، والبقاء مع رفقة ضرورية، وبعضهن رضين بدور الزوجة الثانية، فهي لا تريد أن تكون الضحية الوحيدة في هذا العالم، فالبعض حين يظلم لا يفكر بمن يظلم لاحقاً، كي ينتصر لنفسه، أغرب القصص عرفتها لكن هذه المرة بقرار والدة رفضت أن يتزوج ابنها من زميلته في العمل بحجة الفارق القبلي، وأصرّت على أن يتزوج من بنات عمومته في قرية بعيدة، وبعد عقد القران وفي طريق عودتهم في الطريق البري انقلبت بهم السيارة وماتت الأم، وبعد شهرين من البدء بزواج جديد عاد الشاب وتزوج زميلته، لأنه لا ذنب له في ما حدث، ولم يطلق ابنة عمه التي لا ذنب لها، وبقيت معه الزوجة ابنة العم التي وجدت أنها لا ذنب للاثنين في ما حدث، فوجدت نفسها زوجةً ثانيةً، في حين أنها يوم قبلت بالزواج كانت الزوجة الأولى، وهكذا وجد الثلاثة أنفسهم عالقين في علاقات لم يختاروها وليست ذنب أحد منهم.

يرى بعض الآباء أن قرارهم هو الأصلح لأ‍بنائهم من باب حمايتهم من دفع ثمن مخالفة المجتمع الذي أجمع على رفض خياراتهم مهما كانت تسعدهم، لكن ما يحدث أنهم تقريباً يحرمونهم من الحياة نفسها ومن الزواج، ومن أن تكون لهم عائلة خاصة بهم، وأحياناً يعود هؤلاء الأبناء ويتخذون القرار نفسه الذي حاول الوالد الفرار منه، لكن بثمن لاحق. وبعد موت الأب.

حين تتخذ قراراً يخص غيرك وليكن ابنك أو ابنتك… هل أنت واثق من أنه -مثلما يناسبك- يناسبها؟ من يستطيع أن يتحمل مثل هذه المسؤولية؟ وحين يمر الزمن وتجد أن العالم قد تغير، وأن الأشياء التي كنت تظنها ثابتة قد ذابت مثل قمة جبل الثلج… فبِمَ تبرر ما فعلت، وبِمَ تعالج وخزات الضمير؟ ستقول إنك أنت أيضاً كنت مثل من ظلمتَه، ضحية آخرين، يا لمسلسل الخسارة الذي ساهمتَ في بقائه!

المصدر: جريدة الحياة