كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
كنت في عدن، وعندما تقول هذه الأيام إنك كنت في عدن تتجه إليك الأنظار، ويسألك الجميع: وما الذي جعلك تذهب إلى عدن؟!
كأن الذهاب إلى عدن أصبح مغامرة غير محسوبة العواقب، وهي التي طالما عُرفت بشواطئها الدافئة ومنتجعاتها الجميلة التي أكسبتها أهمية سياحية، كما عُرفت بأنها «عين اليمن» لأهميتها. وقد شهدت عدن على مدى التاريخ الكثير من الأحداث..
ودارت الكثير من الصراعات للاستيلاء عليها منذ بدايات القرن السابع قبل الميلاد، عندما شن «كرب إيل وتر» الأول، ملك مملكة «سبأ»، حملة على مملكة «أوسان» التي كانت تستوطنها، قتل خلالها ستة عشر ألفاً من سكانها، واستعبد أربعين ألفاً، وقدم ملوك «أوسان» قرابين للإله «إيل مقه».
وظلت عدن مطمعاً لكل الغزاة والطامعين، وكان آخرُهم «الحوثيين» الذين حررها منهم جنود الإمارات البواسل، تحت راية التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، بعد أن انتزعها «الحوثيون» من يد الحكومة الشرعية التي لجأت إليها بعد سيطرة «الحوثيين» على العاصمة «صنعاء»، مكملين بذلك استيلائهم على اليمن كله، لتحويله إلى بؤرة لتصدير العنف والتوتر إلى المنطقة، في إطار مخطط أفشلته دول التحالف العربي، وبرز فيه دور دولة الإمارات في إنقاذ اليمن من الهاوية التي كان يقوده إليها «الحوثيون» والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بدعم وتوجيه إيرانيين.
كنت في عدن قبل يومين من استشهاد أبطال الإمارات في مأرب، وهناك شاهدت الدمار الذي أحدثه الغزاة الجدد في هذه المدينة التي كانت ذات يوم واحدة من أكثر موانئ العالم نشاطاً، بل كانت الثانية في الترتيب بعد «نيويورك» خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى أنها مركز من مراكز الفكر والفن والأدب في العالم العربي..
وقد بدا واضحاً الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه سكان عدن، بعد أن تعطلت المرافق الرئيسية في مدينتهم الساحلية الجميلة التي تجمع بين الجبل والماء، إلى الدرجة التي أصبح الحصول فيها على سرير في مستشفى معاناة يعيشها سكان عدن كل يوم..
وأصبح بدء الموسم الدراسي تحدياً يواجهه المسؤولون عن التعليم فيها، وأصبح توفير مولد كهربائي حلماً لسكان المدينة في هذا الصيف الحارق، لكن هذا كله أصبح قريب المنال، كما قال لنا المسؤولون الذين قابلناهم في عدن، بفضل الدور التنموي والإنساني الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لإعادة الحياة إلى اليمن.
في عدن رأينا جنود الإمارات الذين حرروها من قبضة «الحوثيين» وحليفهم المعزول علي عبدالله صالح، فرأينا رجالاً يرفعون الرأس وهم يحملون أرواحهم على أكفهم، ويبذلونها رخيصة من أجل الواجب الذي يقومون به، إيماناً منهم بقيادة بلدهم التي تتخذ القرار الصائب في الوقت المناسب، وبجهود هذه القيادة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وحماية الوطن من الأخطار البعيدة قبل القريبة..
وشاهدنا مدى الكفاءة التي يتمتع بها جنودنا البواسل، ولمسنا الروح المعنوية العالية التي تدفعهم إلى التفاني في أداء المهمات المطلوبة منهم. زرنا جنودنا في مواقع تمركزهم، فشاهدنا الابتسامة والبشر على وجوههم، ورأينا معاني الوفاء والإخلاص للقيادة تفيض بها ألسنتهم..
ورأينا الإيمان بحكمة هذه القيادة وبعد نظرها يتجسد في اختيارهم المجيء إلى اليمن، كي يرسموا صورة مشرفة لأبناء الإمارات المخلصين لوطنهم، المؤمنين بقيادتهم، المدركين لدورهم في إحقاق الحق، ونشر العدل، ونصرة المظلوم، ومساندة الشقيق والصديق. لقد رأينا رجالاً يرابطون تحت الشمس، لكنهم أكثر من الشمس إشراقاً وبهاء وسطوعاً.
لقد قدمت الإمارات العربية المتحدة لليمن الشقيق الدم؛ دم أبنائها الذين استشهدوا على أرض اليمن دفاعاً عن الحق، وامتزجت دماؤهم بدماء أشقائهم اليمنيين المخلصين ليؤكدوا وحدة الهدف والمصير، وليس هناك ما هو أغلى من الدم، ومن يقدم الدم لن يبخل دون شك بالدعم. ولأن اليمن يمثل عمقا استراتيجيا لدول الخليج، فقد كان ضروريا أن يقوم التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بدعم الشرعية اليمنية..
وها هو يحقق كل يوم تقدماً على الأرض، ليجعل تحرير كامل أرض اليمن من قبضة الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح قريبا، كي يحبط كل المخططات التي تهدف إلى جعل اليمن بؤرة لتصدير العنف، والتآمر على دول الخليج الآمنة المستقرة. لقد عاشت الإمارات ملحمة وطنية، تجلى فيها التفاف الشعب حول قيادته..
واستعداده لبذل المزيد من الدماء من أجل رفعة هذا الوطن، وكانت القيادة قريبة من الشعب، تشاركه لحظة الاحتفاء بالشهداء، وتؤكد له وللعالم أجمع أن دماءهم لن تذهب هدراً، وأنهم رموز عزتنا وكرامتنا وفخر شعبنا ووطننا، وأنهم عون وسند للحق والعدل ونصرة الأشقاء، وهبوا أرواحهم ودماءهم لتظل راية دولة الإمارات عالية خفاقة في ساحات البطولة وميادين الواجب..
كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال تقديم سموه واجب العزاء في شهداء الحق والواجب.زيارتنا لعدن جعلتنا أكثر قربا من جنودنا الذين يؤدون الواجب هناك..
ويرفعون رؤوسنا، كما جعلتنا أكثر إدراكاً للمهمة الملقاة على عاتق دولتنا، والمتمثلة في دعم مشاريع التنمية في اليمن الشقيق الذي عاد سنوات إلى الوراء جراء هذه الأزمة، وهو دور مهم يجب أن يستمر، حتى يعود الأمن، ويتم تفعيل الشرعية في اليمن الذي كان سعيداً، وسيعود سعيداً، طالما كان إلى جانب شعبه رجال من أمثال أبناء وأحفاد زايد، طيب الله ثراه.
المصدر: صحيفة البيان