يستخدم العرب عادة عبارة «مات من الضحك» مجازاً للتعبير عن الحالة القصوى من السعادة والسرور التي قد تجتاح أحداً ما شهد موقفاً طريفاً، لكن هذه العبارة تحولت إلى حقيقة وواقع مرير في بابوا غينيا الجديدة، حيث توفي الآلاف من أفراد قبيلة «فور» بسبب مرض غريب يعرف بمرض «الضحك المميت» أو ما يطلق عليه علمياً «كورو»، وهو عبارة عن فيروس يصيب الجهاز العصبي المركزي، ويدخل المريض في نوبة مفاجأة من الضحك الهستيري، ويتطور إلى رعشة مستمرة في جسد المريض مع الم في الرأس والعظام والمفاصل، وبمرور الوقت يصبح المريض عاجزاً عن الحركة حتى عند البلع والتنفس، وتنتهي بالموت خلال سنة تقريباً من ظهور الأعراض الأولى للمرض.
وينتقل المرض الغريب عن طريق أكل لحوم البشر، خصوصاً الدماغ، حيث تتركز جسيمات «بريون»، وتمكن الطبيب الأميركي كارلتون جايدوشك من تشخيص المرض والقضاء عليه عام 1976 .
الدماغ الطازج
ظهر مرض «كورو» في الفترة الممتدة بين 1968 و1975 وتسبب في وفاة أكثر من 1100 شخص، في بابوا غينيا الجديدة، وهي دولة تحتل الشطر الشرقي من جزيرة غينيا الجديدة، الواقعة في المحيط الهادي إلى الشمال من قارة أستراليا، التي تعد ثاني أكبر جزيرة في العالم، وقد تميزت هذه الدولة بمئات القبائل البدائية التي عاشت في أدغال وأحراش غاباتها المطرية الكثيفة بمعزل عن العالم لآلاف السنين، وتميزت كل قبيلة بلغتها وعاداتها الخاصة بها، فكان هناك أكثر من 850 لغة مختلفة في هذه الرقعة الصغيرة من الأرض، وتشتهر بعض القبائل من بينها قبلية «فور» بأكل لحوم البشر، حيث كان أفرادها يمارسون طقوساً جنائزية فريدة من نوعها، تتضمن أكل لحم الموتى، فبمجرد وفاة شخص تجتمع النساء من أقاربه، ويقمن بفصل يديه ورجليه ورأسه عن جسده، ثم يقمن بشوي اللحم في أنابيب مصنوعة من الخيزران، والتهامه وكذلك التهام القلب والكبد والأحشاء الداخلية باستثناء الحويصلة المرارية فحتى العظام يتم مصها وطحنها لطبخها مع الخضار.
أما المخ فكان له عندهن مكانة خاصة، حيث يقمن بكسر الجمجمة وإخراجه بسرعة ليأكلنه نيئاً وهو لايزال حاراً وطازجاً، ويتم تقاسمه على حسب قرابة الميت، حيث يسمح فقط للأم والزوجة والأخت بالتهامه، وعادة يتجنب رجال القبيلة أكل اللحم البشري لأنهم يعتقدون أنه سيعرضهم لخطر الأعداء. فيما توزع بقية أعضاء الجثة على الأطفال وكبار السن .
لذلك كان ينتشر مرض «كورو» بين أوساط هذه الفئات فقط، حيث أدى إلى وفاة نسبة كبيرة من نساء القبيلة . واعتُقد في البداية أن المرض لعنة من الأرواح الشريرة ولا علاقة له بعادة أكل لحوم البشر، لذلك استمروا في التهام جثث موتاهم، فاستمرت أعداد المرضى في التزايد، ما دفع الأطباء والباحثين إلى الاهتمام بدراسة المرض، وتوصلوا إلى أنه يحدث بسبب اختلال في جينات خاصة، تُحدث تغييراً في عمل البروتينات في الدماغ فتشوهه وتؤثر في وظائفه بشكل مشابه لما يحدث في مرض جنون البقر، وقد أكد الأطباء، ومن بينهم الطبيب الأميركي المشهور كارلتون جايدوشك، حيث قضى فترة من حياته في هذه القبيلة، أن تناول اللحم البشري يعد العامل الرئيس في تفشي وانتشار المرض والدليل على ذلك أن النساء يشكلن نحو 90% من عدد إجمالي الإصابات، وذلك لأن عادة التهام اللحم البشري لدى قبيلة «فور» تكاد تكون مقصورة على النساء.
بروتين «بريون» السام
ينتمي المرض إلي مجموعة الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان، والتي تتعلق ببروتين بريون، وهي جزيئات بروتينية تسبب العدوى، وهذا البروتين عبارة عن مكون مهم في جميع الخلايا في الجسم، خصوصاً في الدماغ والجهاز المناعي، ويوجد في حالتين مختلفتين، في الحالة الطبيعية يذوب البروتين بشكل جيد في الماء، كما يمكن تحليله وتفكيكه بسهولة ليؤدي وظيفته الدماغ على أكمل وجه.
هذه الطبيعة البريونية تجعل الخلايا تتوقف عن القيام بوظائفها الطبيعية، وفي أحيان أخرى تجعلها تقوم بوظائف أخرى مدمرة للخلية ثم للكائن كله، وأحياناً لا تؤثر في نشاط الخلايا على الإطلاق.
ويتراكم البروتين الفاسد في جميع أنحاء الدماغ وفي الحبل الشوكي فيعيق عملهما، وهو يسبب الضرر، بشكل خاص، في الذاكرة، والسلوك، والرؤية، والتوازن وبعد فترة زمنية وجيزة يسبب الموت على غرار أعراض مرض جنون البقر ومرض كروتسفيلد جيكوب، حيث يتم تدمير خلايا المخ من خلال إعاقة عملية إعادة لتدوير البروتين الذي يساعد في الحفاظ على الخلايا السليمة.
الجدير بالذكر أن العالم يحتفل كل عام بتاريخ التاسع من شهر سبتمبر بذكري ميلاد الطبيب الأمريكي، كارلتون غايدوسك، الذي ولد عام 1923 وحصل علي جائزة نوبل في الطب عام 1976 لاكتشافه مرض «كورو».
المصدر: الإمارات اليوم