ضمير اليابان الحديث حائز جائزة نوبل للآداب
العدد الأخير من مجلة «المجلة الفرنسية الجديدة» (La nouvelle revue française)، العدد 600، تم تكريسه لليابان بعد محنة تسونامي الأخيرة والكارثة النووية الجديدة في «فوكوشيما».
وجدير بالذكر أن المجلة العتيدة في طبعاتها الأخيرة أصبحت تركز على موضوع مركزي، بدل التنوع الذي كانت تعرفه من قبل. وأصبح كل عدد تحت إدارة شخص معين، وأصبح كل عدد يحمل عنوانا مركزيا. والعدد الأخير من إشراف فيليب فوريست، ويحمل عنوان: «من اليابان»، أي بمعنى: «بخصوص اليابان». وقد احتفلت المجلة قبل أشهر بمرور قرن كامل على صدور المجلة، على الرغم من أن العدد الأول صدر سنة 1909 (فبراير «شباط»). وقد كانت المجلة شهرية ولكنها أصبحت فصلية ابتداء من منذ 1999. وشاءت المجلة لهذا العدد الذي ظهر بعد كارثة فوكوشيما أن ينفتح على أصوات يابانية وأيضا على أصوات فرنسية وأوروبية تعرف اليابان وتحس بنوع من القرابة مع هذا العالم المختلف والبعيد / القريب. والحقيقة أن العدد في مختلف موضوعاته احتفال بكاتب اليابان الكبير كونزابورو أوي، الحائز جائزة نوبل للآداب، الذي يعتبر ضمير اليابان الحديث.
وقد قام فيليب فوريست، الذي اشتهر بنصوصه الكثيرة حول مشروع مجلة «تيل كيل» الفرنسية، والذي كرس نصوصا وترجمات كثيرة عن الروائي الياباني، بتصدير العدد بمقدمة وافية، ركز فيها على أهمية الرجل، الإنسان والمبدع، خصوصا بعد كارثة فوكوشيما، وأيضا بسبب كتاباته عن الكارثة النووية التي سببتها من قبل قنبلتا هيروشيما وناغازاكي النوويتان الأميركيتان، والتي مسته في ذاته، بسبب ولادة ابنه المعوق «الذي لا يتوقف المؤلف عن النظر إليه من خلال ربطه بكارثة التاريخ الجماعية»، والتي ألف عنها روايته الأولى «قضية شخصية»، وجعلته من أشد المعارضين للنووي في استخداميه السلمي والعسكري.
من أهم مواد العدد نقرأ الحوار الطويل الذي أجراه فوريست مع كونزابورو أوي، الذي يستعيد فيه الروائي مواقفه المعارضة لاستخدام النووي، خصوصا أن الكارثة الجديدة جاءت تمنحه مصداقية أكبر. ونكتشف تعرفه على المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.
«كنت محظوظا بالتعرف في الولايات المتحدة على مثقف كبير جدا من جيلي، إدوارد سعيد، الذي كان قد نشر للتو كتابه (ثقافة وإمبريالية). طرحت عليه عدة أسئلة بخصوص الفصل القصير الذي كرسه لألبير كامو. كان إدوارد سعيد مهتما بالقضية الفلسطينية، بطبيعة الحال، ولكنه كان يتحدث كثيرا، وبكثير من الحساسية، عن الكارثة التي مثلها الرحيل المبكر جدا لألبير كامو. إن ما ورد في كتاب إدوار سعيد (الأسلوب الأخير) الذي صدر بعيد موته (وقد كتبت نصا قصيرا في غلافه الأخير) بخصوص المصير الذي يهاجم الفنانين الكبار في نهاية حياتهم، وحول هذه الكارثة التي هي أيضا مصدر لإبداعهم، تبدو لي مرتكزة على مثال كامو، وأعتقد أنه كان يجب على هذا الكتاب (الأسلوب الأخير) أن يحتوي على فصل عن كامو».
«وتحديدا في الوقت الذي كان يتوجب فيه علي أن أفكر في هذه الثيمة عن الكارثة التي بدأها إدوارد سعيد من خلال ربطها بنهاية حياتي، وجدت نفسي في مواجهة كارثة فوكوشيما».
«أفكر من جديد في نص إدوارد سعيد، الذي ظهر بعد موته. يتطرق إدوارد سعيد في كتابه الأخير إلى الكارثة التي تهاجم مختلف الفنانين في أواخر حياتهم. بطبيعة الحال ليست لدي أدنى نية في إدراج نفسي بين الشخصيات التي اختارها سعيد والتي تقبل الكارثة كما لو أنها هي التي رغبت فيها. ولكن هذه الشخصيات من خلال مواجهتها تقوم بإنتاج عمل كبير. أحاول فقط أن أفكر، باعتباري كاتبا، في الطريقة التي سيكون ممكنا لي أن أعيش نهاية حياتي الطويلة في الوقت الذي أعيش فيه في مواجهة كارثة كبيرة. إن طريقة عيشي أفكر فيها من خلال استعادة إدوارد سعيد، وإذا كان علي أن أؤلف كتابا جديدا، فسأستلهم إدوارد سعيد وأريد أن أعنونه: (في الأسلوب الأخير)».
لا يستطيع قارئ الحوار مع كونزابورو أوي أن يخرج من القراءة سالما إزاء هذا الاعتراف الرهيب: «منذ فترة طويلة يسكنني هذا الكابوس: أراني في طوكيو حيث تنفجر قنبلة نووية، وحيث يجب علي الهرب برفقة ابني المعوق. وحين أستيقظ يحدث لي أن أتحدث مع نفسي وأقول إن الأمر سيحدث يوما وإننا لن نفلت منه. وحين سمعت بحادثة فوكوشيما النووية كان أول شيء يحضر إلى ذهني هذه الجملة: يمكن أن يحدث مثل هذا، أيضا!».