كاتبة سعودية مقيمة في دبي
لا يكتفي من يحارب الموسيقى بوضع عبارة «احذر.. توجد موسيقى في الداخل» على المواد الإعلامية التي يتبادلونها في مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن يقوموا – جزاهم الله خيراً – بتعويض غياب الموسيقى بوضع أصوات خارجة من الحلق مثل «هم هم» أو «أم أم» مموسقة، حتى تُحدث في قلبك الأثر نفسه الذي تحدثه الموسيقى، فتجعلك تحزن أكثر أو تفرح أو تخاف. هذا كله ليس كافياً، فبمناسبة بدء العطلة الصيفية، وبسبب الحر وغياب الأنشطة الصيفية، قررت فرقة من الشبان المحتسبين أن يقوموا بنشاط صيفي، وهو القضاء على الموسيقى في مدينة جدة الأسبوع الماضي، فذهبوا لدهم مبنى جمعية الثقافة والفنون، ومثلما أنت متأكد أنك حين تذهب للخباز وتجد عنده خبزاً، فقد كان المحتسبون متأكدين – والحق معهم – أنهم حين يدهمون جمعية ثقافة وفنون فإنهم سيجدونها منغمسة في تقديم الموسيقى والفنون، إلا أن الجمعية فاجأتهم وخيّبت ظنهم وظننا معهم، فحين دخلوا عليها صارخين: «أوقفوا الموسيقى الحرام» اكتشفوا أن الفعالية التي تقيمها الجمعية هي معرض «فن تشكيلي صامت» على طريقة أفلام «تشارلي شابلن»، وهو فن في الأخير، لكنه قديم بعض الشيء. اكتشف المحتسبون أنهم تورطوا، ففتشوا عن سبب آخر – وعلى طريقة الثعلب الذي يصفع القرد في كل مرة يقابله في الغابة، سائلاً إياه: «لِمَ لا تلبس طاقية؟» – سأل المحتسبون: «أين الترخيص؟»، فردّ عليهم المسؤول في الجمعية: «إن الجمعية نفسها هي المرخص لها بإقامة المعرض، وعليكم أنتم أن تبرزوا ترخيصكم لممارسة هذا الفعل».
أن تُساءل الجمعية بسبب فعالية مثل معرض تشكيلي أو حتى مسرحي أو حتى أمسية موسيقية من مجموعة من الرجال الجوالين، ويسمى هذا «احتساباً»، فإن وجود هذه الجمعيات الثقافية هو هدر لموازنة الدولة وأموالها، فماذا يبقى للجمعية من عمل إن كانت لا تقدم ثقافةً ولا فناً غير أن تفتح بابها وترش بلاطها بالماء عند كل مغربية، كي تتبرد في هذا الحر الأليم؟ الغريب أن المسؤول الطيب في الجمعية لم يستنكر ولم يحتج عندما سألته الصحافة، بل قال بما معناه: «إنه يشكر المحتسبين على حسن تفهمهم». وتحديداً قال – بحسب ما نشرته صحيفة «الوطن»: «إن زيارة المحتسبين كانت زيارة ودية، وإنهم يرحبون بهم في أي وقت، وإنهم لم يضايقوهم، ولم يحدث احتكاك»، ربما هذا ما ينقصهم حتى يتضايقوا. بينما ردّ الفنان التشكيلي صاحب المعرض على الحادثة بما معناه، إننا يجب ألا نفهم المحتسبين خطأ، فهم جاؤوا من أجل الموسيقى لا بسبب معرض تشكيلي، فقد ظنوا – والظن إثم – أن هناك – والعياذ بالله – نشاطاً موسيقياً أو نشاطاً مسرحياً – لا سمح الله -، والدليل أنهم لم يسألوا أبداً عن المعرض – كثر الله خيرهم -، لكنني أظن أن الأمية التشكيلية هي السبب، فبُقع الألوان على اللوحات لا تزعجهم.
هل عرفتم لماذا يستمر المحتسبون في إقلاق فعالياتكم الثقافية؟ ليس لأنهم حريصون على التواصل معكم عبر زيارات ودية، ولا لأن المؤسسات ترحب بهم وتشكرهم على حسن تفهمهم، بل لأن صيفنا حار وطويل وبلا فعاليات ترفيهية، وهو ما يجعل أناساً يشعرون بالفراغ فيذهبون يتسلّون على آخرين، فيقوم الطرف الثاني بشكر الطرف الأول على حسن تفهمه.
المصدر: صحيفة الحياة