محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"
إذاً أبناء من؟ هؤلاء من نراهم يتسكعون في الشوارع والمراكز التجارية، بهيئات غريبة وكأنهم سكان كوكب اخر.
لا بد لهؤلاء ان يكونوا أبناء أحد، المنطق يحتم ذلك، ولا استبعد ان يمر أحدنا بجنب إبنه دون ان يتمكن من التعرف عليه، فالأبناء خارج المنازل وبعيداً عن الرقابة، لا يعودون من نعرفهم، فهم يتقمصون ادوار اخرى، ادوار لطالما رغبوا ان يلعبوها، لأنها ببساطة “كول”، والسبب الرئيسي هو فشلنا في منحهم مثل أعلى “كول”، فنحن بالنسبة لهم ليس سوى ” دقة قديمة” نتحدث بمفردات من لغة تنتمي الى عصور الجهل، ما نحن سوى اسطوانة “سي دي” مشروخة، تعيد وتردد على مسامعهم، أوامر وإملاءات، إن لم ينفذوها، فسوف تتبع بتهديدات بالغة القسوة، نستعرض فيها سلطتنا عليهم.
لا تعتقدوا إنهم لا يستشفون من طريقة حديثنا معهم، إن صغر سنهم هو سبب تسلطنا عليهم، واننا وبسبب إحضارهم الى هذه الحياة، منحنا أنفسنا الحق في المَن عليهم، واذا أحببناهم فلا يعني ذلك لأنهم يستحقون الحب، وإنما لأننا أباء طيبون، وعليهم ان يحمدوا الله على ذلك، فغيرهم لم يحظوا بأباء طيبين مثلنا، فعليهم ان يقدروا حظهم، بينما الحقيقة انهم يستحقون الحب، وهو حق مشروع لهم، كونهم أفضل هدية، حبانا بها الله.
صغارنا باتوا تماماً كشخصية “دكتور جيكل ومستر هايد”، فهم أولئك المؤدبين، والمطعين طالما انهم امامنا، ومتمردون ومتهورون حالما يبتعدون عن رقابتنا، ثقافتهم استمدوها من الأفلام والأغاني، ومن مراقبة تصرفات الشعوب الأخرى، الأطفال بشكل عام هم أفضل من يقوم بدرسات في علم سلوك الإنسان، من خلال المراقبة، وتسجيل الملاحظات، ثم إعادة تمثيلها.
يضحكني كثيراً بعض الأباء، اللذين ينكرون وبشدة إمكانية تبني أبناءهم سلوك معين، معتقدين انهم يعرفون أبناءهم اكثر من غيرهم، كونهم كبروا أمام أعينهم، ويغيب عنهم، ان أبناءهم لم يكبروا امام أعينهم طوال الوقت حقاً، فهناك المدرسة، والحي، والنادي، والمراكز التجارية، وأماكن أخرى إرتادوها دون معرفتهم، واذا سألنا هذه النوعية من الأباء، “ماذا يشاهد او يستمع اليه أبناءك؟” جاوبنا ” إنها مجرد رسوم متحركة”.
لا يكفي ان نطل، طلة خفيفة على ما يشاهده أبناءنا، علينا ان نتعمق وندرس بأنفسنا ما يشاهدوه، علينا ان نكون نقاداً ومفكرين وفلاسفة، ان نحلل كل ما يشاهدونه، ان ننزل ان لم يكن نرتقي الى فكرهم، ان نستوعب ثقافتهم الدارجة، ولا نعتقد ان ثقافتنا هي ثقافتهم، فصغارنا لهم ثقافتهم الخاصة، وربما لهم حتى لهجتهم ولكنتهم الخاصة.
للصغار عالم في عالم، او عوالم في عالم، علينا ان نبذل جهداً في فهمها، وان نستقطع أوقاتاً من وقتنا لقضاءه معهم، ان ننسى أصحابنا وراحتنا لبعض الوقت، ان نكون أباءهم وأصدقاءهم، وخزنة اسرارهم، ان نبين لهم اننا نحبهم بلا شروط، واننا على قدر حكمتنا وخبرتنا في الحياة، مستعدين ان نتعلم منهم.
ببساطة ان نكون أباء حقيقيين، وندرك بأن ولادتهم، تعني نقطة التحول الكبرى في حياتنا، وتعني أننا تخلينا طوعاً عن المركز الأول، فهم أولاً وأي شيء اخر مهما كان قيمته يأتي ثانياً.
يتحتم علينا ان نستمع الى أغانيهم، ان نتبه الى كلماتها، ان نناقشهم فيها، لن يفيد مع اجيال اليوم طريقة المنع، والحجب، ما يفيد معهم هي طريقة الإقناع بالحجة، فأغلب صغارنا اليوم لديهم من المعلومات العشوائية ما لا نستطيع حصرها، الإمكانيات المتوفرة للحصول على المعلومة، جعلتهم أعلم منا عندما كنا في سنهم.
لنكتب لهم القصص، لنصور لهم الأفلام، لنوجههم الى القراءة، والى تاريخنا، لنعود بهم الى احضان ديننا، لنحاول جمعينا ان نكون “كول” على طريقتنا الخاصة، ونقنعهم بها.
دعونا نبدء بالإلتفات اليهم في الشوارع والمراكز التجارية، والإعتراف بأنهم أبناءنا، والأهم دعونا ندرس سلوكياتهم، ونستعد لأسئلتهم.
خاص لـ ( الهتلان بوست )