رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
في عالم يموج بالمصالح المتشابكة، لا يمكن لأي دولة أن تزعم قوتها أو تفرض هيبتها لو لم تمتلك أدوات القوة والهيبة. لا يمكن لدولة أن تجبر دولا كبرى على احترام مواقفها وسياساتها، حتى وهي تختلف معهم سرا وعلانية. هيبة الدول لا تُصنع بين يوم وليلة، ولا بقوة المال وحده، إنما هي تراكمات من المواقف السياسية الناضجة والعقلانية وبُعد الرؤية. هيبة الدول تصنعها قراءتها وتنبؤاتها بالمخاطر قبل وقوعها.
هنا في باريس، حيث يزور ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز فرنسا، فإن الرسالة الواضحة والصريحة، في كلمة الرئيس فرنسوا هولاند، وفي مباحثات كبار المسؤولين الفرنسيين، كرئيس الوزراء ووزيري الخارجية والدفاع، مع الرجل الثاني في المملكة العربية السعودية، وفي الأحاديث الجانبية مع المسؤولين الفرنسيين والدبلوماسيين الغربيين كانت: سياسيا أو اقتصاديا، لا بد من السعودية وإن طال السفر.
سألت مسؤولا فرنسيا كبيرا: هل في الأمر جديد؟ وهل للتو تعرفون هذه الحقيقة؟ أجاب: لا، غير أن أحداث المنطقة الساخنة وتطوراتها خلال الفترة القريبة الماضية، تؤكد مجددا أن الرؤية السعودية كانت الأقرب للواقع؛ في القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية، في سوريا، في لبنان، في اليمن، في استقرار أسواق النفط والاقتصاد العالمي، وفي الملف الأهم حاليا، وهو ظاهرة الإرهاب، الذي أدركت السعودية مخاطره مبكرا، وحذرت من هذه «الآفة التي تهدد الأمن والاستقرار في العالم»، كما قال ولي العهد السعودي.
أخطأ الغرب عندما ظن أنه يمكن أن يحدد هو معادلة الاستقرار في المنطقة. كان الدرس قاسيا والعواصم العالمية تنجذب لإفرازات «الربيع العربي» وتؤمن بإمكانية فرض أجندة غربية لمشكلات عربية خالصة. وها هي أكبر دولة في العالم، الولايات المتحدة، للتو تنتبه وتعلن أنها ستقر استراتيجية عالمية ضد الإرهاب، بينما الرئيس الأميركي باراك أوباما يتجنب ذكر الحقيقة وهو يقول: «متشجع أن دولا في المنطقة، ليست دائما متفقة في السابق، هي الآن متفقة على مواجهة داعش، مما يعني إمكانية بناء التحالف الدولي لمواجهة التنظيم الدولي». عفوا فخامة الرئيس: سياستك هي التي تراخت كثيرا في بناء هذا التحالف وليس دول المنطقة. سياستك هي التي لم تتفاعل، مثلا، مع دعوة خادم الحرمين الشريفين لتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب.
سألني أمس مذيع قناة «سكاي نيوز» عن سبب الاحتفاء الفرنسي الكبير بزيارة الرجل الثاني في السعودية، فقلت إن باريس تعي جيدا، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، الدور السعودي الكبير في أمن المنطقة واستقرارها، وترحيبها بزيارة الأمير سلمان هو نتيجة طبيعية للمكانة التي تبوأتها الرياض على المستوى الدولي، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي بقوله «كانت فرنسا والسعودية بعيدتي النظر حول خطورة الأزمة (السورية). إن بلدينا دعوا الأسرة الدولية لتحمل مسؤوليتها ولكن لم يستمع لهما دائما، وهما (السعودية وفرنسا) تدعمان من يحارب همجية الأسد من جهة، ومن جهة أخرى، همجية الجهاديين».
السعودية لم تطلب يوما تقديرا دوليا. مكانتها وسياستها هما اللتان جلبتا لها هذا التقدير. التحالفات الدولية مع الرياض قائمة على سياسة المصالح من جهة، وعلى الرؤية السعودية التي أثبتت صحتها وسلامتها من جهة أخرى. وربما أفضل وصف لقوة تحالفات الرياض مع الدول الكبرى، ما قاله الرئيس الفرنسي للأمير سلمان بن عبد العزيز: فرنسا تعرف قيمة الصداقة، والسعودية من أول أصدقائنا.
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=785799