“لا منزل-لا عائلة-لا تقاعد”.. التدهور الاقتصادي يبدد “الحلم الأمريكي”

أخبار

أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” مزيداً من التلاشي في “الحلم الأمريكي” مع الصعوبات الاقتصادية المتنامية التي تصعب على الأمريكيين تحقيق العناصر الأساسية للحياة الموعودة في الحلم، وهو امتلاك منزل، تكوين عائلة، والتطلع إلى تقاعد مريح. لكن القليل منهم يعتقدون أنهم قادرون على تحقيقه بسهولة.

في حين أن 89% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إن امتلاك منزل هو إما أساسي أو مهم لمستقبلهم، فإن 10% فقط قالوا إن تحقيق ملكية المنزل أمر سهل أو ممكن. بالمثل، تم تصنيف الأمن المالي والتقاعد المريح على أنهما أساسيان أو مهمان بنسبة 96% و95% على التوالي، ولكن تم تقييم تحقيقهما على أنه سهل أو نوعًا ما سهل من قبل 9% و8% فقط.

هذه الفجوة تعيد “الحلم الأمريكي” إلى حالته الأصلية: حلم لا مكان له في الواقع.

ما هو الحلم الأمريكي؟

في العام 1931 صاغ المؤرخ الأمريكي جيمس آدامز مصطلح “الحلم الأمريكي”، وهو واقع كان موجوداً فقام بتأطيره فكرياً في هذا المصطلح الذي أصبح يراود عشرات الملايين من سكان العالم خارج أمريكا سعياً لهذا الحلم الذي يكسر كل عوائق التقدم الفردي في “العالم القديم”، وفق آدامز، ـ أي أوروبا وآسيا وأفريقيا، ليقترن الإنجاز فقط بالجدارة والاجتهاد، ولا شيء يمكن أن يقف في وجه المواطن الأمريكي للارتقاء، بما في ذلك تحقيقه العناصر الأساسية للرخاء الاجتماعي، وهي امتلاك منزل، وعائلة وأبناء، وسيارة، وعمل براتب فائض، وتقاعد مريح في آخر العمر.

هذه العناصر هي أدنى منحة من الحلم الأمريكي إلى الذين لا طموح لديهم للارتقاء والقيادة. ومن يريد أكثر فالأبواب أمامه مفتوحة إلى الكونغرس والبيت الأبيض.

هكذا صيغ الحلم نظرياً. وعملياً شابه الكثير من الظلامية حين وجد الأمريكيون السود والملونين أنفسهم خارج هذا الحلم حتى مطلع السبعينيات حين بات عدد منهم – بشكل محدود وربما انتقائي- يجدون طريقهم للصعود في سلم الاقتصاد والسياسة.

ديون طلابية مرتفعة

شمل استطلاع “وول ستريت جورنال” 1502 شخصًا بالغًا في الولايات المتحدة، وأظهر فجوة كبيرة بين رغبات الناس وتوقعاتهم – ذكوراً وإناثاً- لكنه كان أكثر وضوحًا بين الأجيال الشابة، التي أصبحت غير قادرة على تحمل تكاليف شراء المنازل وتواجه أسعار فائدة مرتفعة وديون طلابية.

قبل اثني عشر عامًا، عندما سأل باحثون 2500 شخص عما إذا كان “الحلم الأمريكي لا يزال ساريًا”، قال أكثر من نصفهم إنه كذلك. ولكن عندما طرحت “وول ستريت جورنال” السؤال نفسه في يوليو، انخفضت النسبة إلى حوالي ثلث المستجيبين.

يقول الاقتصاديون إن الناس محقون إلى حد كبير في شعورهم بأن فرصهم في النجاح قد تضاءلت.

يقول إيمرسون سبريك، وهو اقتصادي في مركز السياسات الحزبي في واشنطن: “تبدو الجوانب الأساسية للحلم الأمريكي بعيدة المنال بطريقة لم تكن كذلك للأجيال السابقة”. ويشير سبريك إلى التراجع المستمر في معاشات التقاعد في القطاع الخاص – مما أدى إلى اختفائها تقريباً- وارتفاع تكاليف ملكية المنازل، كاثنين من أكبر التغيرات الاقتصادية على مدى العقد الماضي.

الآباء أكثر ثراء من الأبناء

في حين كان حوالي 90٪ من الأطفال المولودين في عام 1940 أفضل حالًا في نهاية المطاف من والديهم، وفقًا لبحث أجراه أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ناثانيال هندرن وخبير الاقتصاد بجامعة هارفارد راج تشيتي، إلا أن حوالي نصف المولودين في الثمانينيات فقط كانوا قادرين على قول الشيء نفسه. يقول هندرن إن الفئات العمرية الأصغر سناً تبدو في وضع مماثل بناءً على نمو الدخل المتوسط، لكنها ربما شهدت دفعة طفيفة بعد كوفيد-19 حيث تجاوزت أجور الأمريكيين من ذوي الدخل المنخفض أجور غيرهم من أصحاب الدخول.

ينظر تشيتي إلى الحلم الأمريكي من خلال عدسة مدى صعوبة وصول شخص يبدأ في أسرة فقيرة إلى الطبقة المتوسطة. ويقول إنه بالنسبة للأمريكيين البيض على وجه الخصوص، أصبح هذا الهدف أكثر تحديا بشكل ملحوظ على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية. ويرى أن الناس محقون في الشعور بأن الحلم الأمريكي أصبح أكثر صعوبة من حيث فرصهم في تحقيق أداء أفضل من آبائهم أو فرصهم في التخلص من الفقر.

منزل خاص

كان ريتشارد توماس وتشيريش سيليتي متأكدين من أنهما حققا نسختهما الخاصة من الحلم الأمريكي عندما اشتريا شقة من خمس غرف نوم في ماونت فيرنون، نيويورك، مقابل 612 ألف دولار في عام 2017.

كان قرض الزوجين بقيمة 5400 دولار، صعباً ولكن يمكن تنفيذه، بين راتب الزوجة وراتب زوجها وهو رئيس بلدية للمدينة في ذلك الوقت. ولكن بين عشية وضحاها، تضاعفت تكاليف الطاقة لديهم إلى أكثر من 2000 دولار شهريًا، وارتفعت أسعار البقالة والتأمين والفواتير الأخرى للعائلة المكونة من ستة أفراد الآن.

أُجبر توماس على الاستقالة من منصب عمدة المدينة وأُمر بدفع غرامة بعد إقراره بالذنب في يوليو 2019 بسرقة 12900 دولار من حملته. يقول إنه قبل صفقة الإقرار بالذنب فقط لأنه لم يستطع تحمل تكاليف محاربة التهمة. وهو يعمل الآن في العلاقات العامة.

خفض كل من توماس وسيليتي مساهماتهما التقاعدية إلى ما يقرب من الصفر، وألغيا خطط الإجازات وشرعا في ضبط منظم الحرارة فوق 80 درجة في الصيف وأقل من 65 درجة في الشتاء. إنهم يعرفون أن بيع المنزل – الذي تضاعفت قيمته – سيكون أفضل رهان لهم، لكنهم لا يعرفون إلى أين سيذهبون إذا غادروا.

يقول الزوج توماس: “نريد البقاء في مجتمعنا. نريد تربية أطفالنا هنا، لكن حلم القدرة على القيام بذلك يفلت منا حقًا.. لقد كان لدينا الحلم الأمريكي، والآن أصبح كابوسا أمريكيا لأنه يبدو وكأن الدولة قطعت لنا وعدا ثم توارت”.

حلم العائلة

في ديس بلينز، إلينوي، يعتقد كيفن مورفي البالغ من العمر 31 عامًا أن العثور على شريك أصبح أكثر صعوبة مما كان عليه من قبل بسبب ارتفاع تكلفة المواعدة. لا يستطيع دائمًا تحمل تكاليف دفع الحساب، ويخشى أن يكون أقل جاذبية من شخص يكسب أكثر من دخله السنوي البالغ 95 ألف دولار أو يمتلك منزلًا.

يضيف: “بالنسبة لي، يبدو الحلم الأمريكي أبعد من أي وقت مضى. أشعر بالقلق عندما أبلغ الخمسين أو الستين من العمر. وإذا لم يتغير شيء، فسوف أكون في ورطة كبيرة”.

المصدر: البيان