لا يزال تشكيل الحكومة اللبنانيّة يتأرجح في بازار الحسابات السياسيّة والمكاسب الشخصيّة لدى القوى والأحزاب المتحكّمة بالبلاد، والتي لا يسعها سوى رمي سيْل التفاؤل، بحيث يُفتتح النهار على «إغداق الإيجابيّات»، لينتهي مساءً على شحوب وافتعال عراقيل.
أمّا في المشهد الآخر من الصورة، فحديث يدور عن قرْب التأليف، وعن دخول دوليّ على الخط، كما عن عدّة مساعٍ داخليّة في شأنها، أسفرت عن تضييق رقعة الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي.
وعليه، ارتفع منسوب الكلام عن أنّ الحكومة باتت جاهزة، في انتظار القرار السياسي الذي بيده إعلان مراسيمها. وبمعنى أدقّ، إذا كان هذا القرار قد أصبح محتوماً، فإنّ الأزمة الحقيقيّة تكمن في غياب إدارته، وليس في اتخاذه كخطوة صارت واقعاً.
وعلى رغم أنّ الدفْع الدولي ليس جديداً، في ظلّ الرغبة الدوليّة الثابتة، سعياً لولادة الحكومة في لبنان، إلاّ أنّ الدخول الأمريكي بقوّة على الخطّ هذه المرة، ولّد انطباعات إيجابيّة مختلفة، في اعتبار أنّ الموقف الأمريكي مؤثر في تحديد مسار الأمور واتجاهاتها.
وفي موازاة الرغبة الأمريكية، هناك أيضاً بيئة إقليميّة مواتية للتأليف، ويحظى لبنان فيها بتحييد إيجابي، وتقاطع موضوعي على ضرورة إبقاء الأوضاع فيه مستقرّة، خوفاً من الفوضى، وما يمكن أن تستتبعه من مواجهات وفصول يصعب تقديرها.
وهكذا، ووسط تفاقم بالغ الحدّة والشراسة في الأزمات الحياتيّة والمعيشيّة والاجتماعية، من شأنه أن يجعل الأسابيع الآتية بمثابة كابوس أشدّ إثارة للمخاوف من أيّ وقت سابق، سواء لجهة استحقاق عودة الموسم الدراسي وهمومه الطارئة، أو لجهة حلول الاستحقاق الحاسم برفع الدعم نهائياً عن المحروقات، لا يزال اللبنانيّون يتطلّعون إلى اللقاء الـ «14» المقبل بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، والذي سيكون بمثابة «بارومتر» الاتجاهات. علماً بأنّ اللقاء الـ «13» الأخير بينهما، في 26 يوليو الفائت، والذي كان تزامناً مع مرور الشهر الأوّل على التكليف، أضاف مزيداً من الأجواء الضبابيّة في فضاء تأليف الحكومة الجديدة، وخلّف وراءه تحليلات وتأويلات متضاربة لمجريات المشاورات الرئاسيّة، مقترنةً بكمّ هائل من الأسئلة، حول ما يمكن أن ينتهي إليه هذا المسلسل المتواصل منذ أكثر من عام، وتحديداً منذ استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب، في 10 أغسطس من العام الفائت.
«تشاؤل»
وفي انتظار تطوّر جديد حاسم على الجبهة الحكوميّة، وإلى حين استدعاء أمين عام مجلس الوزراء، القاضي محمود مكيّة، إلى قصر بعبدا، ليتلو مرسوم تشكيل الحكومة، لا يزال مشهد التأليف يتأرجح بين تفاؤل قد يصل إلى الذروة، وتشاؤم قد يصل إلى القعر، وتحليلات ولوائح وأسماء وتوزير. وفجأةً، ينهار كلّ شيء.
إلا أنّ الساعات القليلة الماضية، شهدت طغيان التفاؤل على التشاؤم، فيما أشارت التسريبات إلى اقتراب ولادة الحكومة، مع ما يعنيه هذا الأمر من ترقّب و«حبْس أنفاس»، إلى حين إخراج الحكومة من «عنق الزجاجة».
ولعلّ التوصيف الأفضل للوضع الراهن، هو أنّ الحكومة المنتظرة ستُشكّل، إلا إذا. والـ «إلا إذا» هنا، تتضمّن قائمة طويلة من العراقيل والعقبات، وسط الكلام الإيجابي غير القابل للصرف على أرض الواقع، والوعود بتأليف حكومة لا تتألّف.
وفيما التشكيلة لا تزال معلّقة على بُعد ساعات افتراضية، فإنّ التجارب السابقة لا تطمئن، بدءاً من تجربة السفير مصطفى أديب، الذي اعتذر عن التأليف بعد 26 يوماً على تكليفه، مروراً بتجربة سعد الحريري، الذي اعتذر بعد 9 أشهر على التكليف، ووصولاً إلى الرئيس ميقاتي، الذي مرّ على تكليفه 6 أسابيع حتى الآن. وهكذا دواليك، تتبدّل وتتعدّل أسماء وحقائب، ويُعاد البحث في التركيبة التي لا تزال حتى الآن ضمن حكومة مفترضة من 24 وزيراً.
وعلى أيّ حال، فإنّ المؤشر الفصل لمسار الملفّ الحكومي، ربّما يكون معلّقاً على اللقاء الـ14 الرابع بين الرئيسيْن، عون وميقاتي، والذي لم يُضرب له موعد حتى الآن.
المصدر: البيان