كاتب متخصص في الإدارة
كم من موظف راح ضحية قرار تعسفي بفصله أو نقله أو حرمانه من ترقية لسنوات عدة، ليس لسبب سوى أنه لم ينل حقه في تشكيل لجنة تحقيق إدارية للنظر في قضيته بعدالة.
في عالم الإدارة، يتم اللجوء إلى لجان التحقيق الرسمية (أو غير الرسمية) لضمان عدالة القرار المتخذ بحق الموظفين المخالفين. وجرى العرف أن تُشكَل لجان التحقيق داخل العمل عندما يرتكب الموظف مخالفة جسيمة يعاقب عليها القانون أو اللوائح الداخلية؛ كأن يطعن أحد في الذمة المالية لزميل آخر أو يتهمه بالتحرش أو التزوير أو التدليس وغيره.
كل منا معرّض لأن يجد نفسه يوما ما ماثلا أمام لجان التحقيق الإدارية؛ إما متهما – لا قدر الله، وإما عضوا وإما شاهدا. ومن هذا المنطلق، من حق القارئ أن يعرف متى وكيف تتشكل لجان التحقيق الإدارية في العمل وما آلية عملها.
أولى بديهيات تشكيل لجان التحقيق، ألا يكون أحد أعضائها ممن تتعارض مصالحه مع نتائج التحقيق حتى لا يكون هو الخصم والحكم. كما يتوقع من اللجان أن تدون أقوال المتخاصمين والشهود وتستعين بأي رأي فني يؤكد أو ينفي صحة الادعاءات المطروحة. فقد يستغل أحد المتخاصمين خبرته الفنية، مثلا، فيوهم أعضاء اللجنة باستحالة إرساله بريدا إلكترونيا بهذه الطريقة أو التوقيت فيأتي الفنيون برأي مغاير.
وإذا كان استمرار الموظف أو المسؤول المتهم على رأس عمله يمكن أن يخل بإجراءات أو عدالة سير لجان التحقيق، فإن عزله من منصبه مؤقتا يصبح أمرا ضروريا، كما نقرأ عادة في الصحف في بعض الوظائف العامة.
وفي أثناء لحظات التحقيق، لا بد أن يتذكر المسؤولون أنهم يمارسون دور القاضي الذي يتوقع منه أن يكون محايدا، غير انفعالي، ولا عاطفي، ويكون حاضر البديهة ينصت أكثر مما يتحدث، وينتبه إلى كل شاردة وواردة، فكم من معلومة صغيرة أو مبهمة كانت خيطا أوصل لجنة التحقيق الإدارية إلى مكمن المشكلة.
ولجان التحقيق ليست لقاءات شفهية فحسب، بل يجب أن تنتهي بقرار مكتوب يقرأه الموظف المخالف ويستند إلى مواد محددة في بند الجزاءات باللائحة الداخلية، وأن يحدد بدقة الخطأ الذي ارتكبه الموظف. ومن حقه أن يخطر بالموعد النهائي لتقديم التماسه أو احتجاجه على قرار اللجنة. فلجان التحقيق ليس الغرض منها الانتقام من الموظف، بل ضمان تحقيق أقصى درجات العدالة لتكون هذه الحادثة عبرة لمن يعتبر.
وإذا كانت القضية حساسة تمس عرض الموظف أو جانبا اجتماعيا يثير زوبعة، فمن حقه أن يؤكد ضرورة أن تحاط تفاصيل التحقيق بالسرية التامة.
وإذا ثبت أن الاتهام الذي أطلقه موظف ما بحق زملائه كيدي، فعادة ما يطلب منه تقديم استقالته أو ربما إنهاء خدماته؛ حتى يدرك كل فرد عواقب الاتهامات التي يطلقها جزافا.
ولضمان سلامة قرارات وإجراءات لجان التحقيق، فيتوقع من المؤسسات الخاصة والعامة أن تخصص فصلا في لوائحها الداخلية يشرح بوضوح آلية عمل اللجنة حتى لا تكون عرضة لمزاجية القياديين الذين يسيئون استغلال هذه الوسيلة الحضارية في محاولة إحقاق الحق لأصحابه.
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=787578