كاتب إماراتي
هناك طبائع بشرية لا يمكن تغييرها، حب الظهور، حب المال، الاستعجال، الخوف من نفاد بطارية الـ«آي فون»، بعض الطبائع الذئبية التي تعرفها، على أن كل نقيصة أو طبع بشري يختفي لدى أول مشكلة صحية، فالموجوع لا يريد من هذه الدنيا إلا أن يستعيد صحته، فكيف لمن يعاني صداعاً مستمراً أن يفكر بالطريقة المثلى لدهن سير مدير؟ وكيف لمن لا يستطيع جر نفسه (بفتح النون والفاء) أن يفكر في كيفية إسقاط خصمه في التجارة؟ تذكر أن نتيجة مباراة الأهلي لا تهمك حين تكون مبوسراً!
ولهذا فقد انتبه أصدقاؤنا المحتلون الأوائل إلى هذه الحقيقة، وكان من الممارسات الإنسانية المشبوهة لأي أساطيل احتلال، بناء المستشفيات في المستعمرات، فإذا كانت القوى السياسية والعسكرية تمثل عصا المستعمر، فالمستشفيات دائماً، وتلك الصورة النمطية للممرضة الشقراء، التي ترتدي تنورة قصيرة ويسميها الجميع (أنجليكا)، في إيقاع ملائكي لا يخفى، هما جزرة المستعمر.. (بفتح الجيم والراء)!
الطرق إلى أفكار وقلوب الناس كثيرة، ولكن من أقربها، إن لم يكن أقربها على الإطلاق، هو طريق الصحة، تخيل شعور والد طفل يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة تجاهك، حين تأخذ هذا الطفل من يديه وتعيده إليه بعد فترة، وقد عاد لون الدماء لوجنتيه، هل يمكن لهذا الأب أن يحمل في وجهك سلاحاً ذات يوم؟ وهل سيتردد هذا الأب في الحديث أمام الجميع بأنكم أناس طيبون، وأنكم قد عالجتم ابنه ذات يوم؟!
بعض الدول الإقليمية لها مستشفيات في جميع دول المنطقة تقريباً، وتتميز مستشفياتها برخص أسعارها وتساهلها في التحقق من الإجراءات أو الأوراق الرسمية، فهي ترفع شعار صحة المريض أولاً، ما يجعل الناس تحمل في داخلها شكراً كبيراً وشعوراً بالامتنان، خصوصاً والمقابل هو المستشفيات الغالية التي لا تسمح بولوج المرضى إن لم تكن جميع إجراءاتهم سليمة.. البعد الإنساني موجود، ولكن هو ليس بعداً بريئاً تماماً، وإنما يدور في فلك «البراندينج» الذي يشتهر به البعض! فحتى تصميم المباني بها تأكيد على هوية الدولة المانحة!
البدائل موجودة وكثيرة، فتجربة «المستشفيات الإسلامية» في دول عربية عدة، مثل المملكة الأردنية الهاشمية وغيرها، أثبتت نجاحاً وإقبالاً، فالمستشفى الإسلامي أشبه ما يكون بمستشفى خيري وغير ربحي يكون في متناول جميع الشرائح، وتساند الدولة وجوده ضمن نطاق معين، والمستشفيات الخيرية أيضاً موجودة في دول خليجية عدة تحت مسميات مختلفة، ولاشك في أنها إن وجدت في الدولة حيث تشكل العمالة البسيطة نسبة كبيرة من السكان، ستكون رافداً للصورة الذهنية التي سيحملها ذلك العامل إن احتاج إلى علاج وعاد ذات يوم لموطنه.
هذا بالنسبة لما هو داخل الدولة، أما في خارجها فمن المؤلم أن ترى الكثير من المشروعات الخيرية الصحية التي انطلقت فكرتها وتم تمويلها ودعمها لوجستياً من قبل الدولة ثم يذهب «الكريديت» الإعلامي لها إلى جهات أخرى بسبب إدارتها أو طبيعة المتحدثين الرسميين لها، الكثير سيقول إن القصد من هذه المشروعات خيري، وللأجر بالدرجة الأولى، وهذا صحيح، لكن استثمارها إعلامياً كما يفعل «الآخر» مطلوب، خصوصاً أنها مشروعات «دولة» وليست مشروعات شخصية، الحرب الإعلامية في قمتها، ولاشك في أن المحاقن والأنابيب والشاش الأبيض والتحاميل ستكون جزءاً منها في الأيام المقبلة!
المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2015-02-17-1.757543