محترفون نحن في التحايل على مواجهة واقعنا، نحاول أن نخترع ألف سبب لقرارنا ونهرب من الاعتراف بالسبب الرئيس، مثلاً أكثر ما يدهشني أن يدفع أحدهم عشرات الآلاف، وقد يلجأ إلى قروض طويلة الأجل بفوائد مرتفعة بغية افتتاح مصلحة خاصة، مطعم، مقهى، محل ملابس، سوبر ماركت، يقوم بكل وسائل الإعلان الممكنة للترويج لنشاطه، وعندما يفشل في إدارة المشروع الجديد يكتب ورقة صغيرة (A4) على واجهة محله.. للبيع لعدم التفرّغ.
بماذا مشغول الأخ؟ اجتماعات الكونغرس، التنسيق لقمة سوتشي، هل يعمل بعد الظهر مبعوثاً أممياً لأكثر من دولة شرق أوسطية، في حقيبته ملفات عالقة ومصالحة مقترحة وأسماء الفصائل المتناحرة؟ لماذا لم يتفرّغ هذا الرجل لمشروعه الذي دفع عليه «دم قلبه» كما يقولون؟ لماذا لا يقتطع من وقته الثمين لأجل هذا المشروع ويرعاه وينميه ويقف على حاجته؟ الجواب بسهولة.. البيع بالتأكيد ليس بسبب الانشغال كما يدّعي، إما لتراكم الديون أو غياب رؤية الإنجاح، فنسب المصالح التي تعرض للبيع بسبب عدم التفرغ لا تتجاوز الواحد بالمئة في أحسن الأحوال.
«لعدم التفرّغ» هي أكثر حجة متداولة للتحايل على الواقع، تستخدم لتغطية لافتة العجز والفشل، رغم أنها لا تقنع المتفرج ولا الشاري، لكنها تبقي على القليل من ماء الوجه خلف «سوكريت» المصلحة.
أحياناً أشعر أن بعض الساسة العرب يرغبون في كتابة هذه الورقة على أوطانهم، بعد أن عجزوا عن إدارتها وتنميتها وحل مشكلاتها.. «للبيع لعدم التفرغ» والهروب من المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وتجريب الحظ في مكان آخر وكارٍ آخر غير السياسة.. لا بل في قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، أحسست أن الكثير بودّه لو يعلنها صراحة لولا الانكشاف أمام الشعوب المتعاطفة، فيكتب على ملف القضية الفلسطينية الذي تتقاذفه أيدي المجتمعين في القمم العربية، والأمم المتحدة، ومنظمات تعاون الدول الإسلامية، بقلم «فولوماستر» أحمر.. «القضية للبيع لعدم التفرّغ»، وتبقى اللغة السرية بين المشتري والمفاوض والبائع مفهومة دون الحاجة إلى الإفصاح عنها.
«لعدم التفرّغ».. ما أوسع هذا التبرير.
المصدر: الإمارات اليوم