كاتب متخصص في الإدارة
هناك مصطلح شائع في أدبيات الحوار الإنجليزية، نمارسه في عالمنا العربي من دون أن نشعر، ونهدم به كثيرا من نقاشاتنا البناءة فضلا عن علاقتنا. هذا المصطلح هو Loaded Language، وأقرب تسمية له «اللغة الملغومة»!
بمعنى أن نبطن حواراتنا بكلمات تجرح أو تحط من كرامة الآخرين. ومن هذه الطرق «السؤال الملغوم» الذي يبدو ظاهره بريئا وعفويا، غير أنه محاولة للتعريض بالآخرين أو إهانتهم أو الانتقام منهم، أو محاولة لفت أنظار السامعين إلى سلوك نراه شائنا في من نحاول الإساءة إليه. كأن يقول سياسي لخصمه مثلا: هل ما زلتم تضحكون على ناخبيكم بهذا الكلام المعسول؟ أو يقول مدير لمرؤوسه: إذن أنت وراء كل هذه المشكلة؟! أو يسأل شخص ما آخر يثير حنقه فيقول: هل ما زلت تضرب أطفالك؟
وهذه اللغة الملغومة قد تأتي على صيغة سؤال فيه نبرة افتراضية مزعومة تثير حفيظة المتلقي، خصوصا إذا لم تكن مبنية على أساس صحيح. وقد تأتي عبارات قاسية أو كلمات محددة تؤذي المتلقي. واستخدام اللغة الملغومة قد يعتبره البعض نوعا من التكتيك لإثارة المتلقي و«نرفزته»، لكنه في حقيقته سلاح ذو حدين، لأنه في بعض الأحيان يكون وسيلة العاجز عن مقارعة الحجة بالحجة، أو محاولة تدفع بالمتضرر للرد العنيف، ثم تنقلب طاولة الحوار البناء، ويفقد كل متابع رغبته في الاستماع، لأن كلا الطرفين انزلق إلى هاوية الجدال العقيم.
نحن في عصر أصبحنا فيه بحاجة ماسة إلى صوت العقل، لا سيما أننا بتنا لا نكاد نسمع على الفضائيات وفي الحوارات العامة النقاش الموضوعي والمنطقي المدعوم بالحجج الدامغة. وشخصيا، أومن إلى حد كبير بالرأي القائل إن علو الصوت من دون مبرر دليل ضعف الحجة، وهذا ما يجدر بنا جميعا الانتباه إليه، لأنه في غمرة النقاش المحتدم أو الصوت العالي نقحم مفردات ملغومة توتر الأجواء وتزيد الطين بلة.
ولذا فإن أفضل حل لمواجهة اللغة القاسية الملغومة من الآخرين هي بتجاهلها أو التظاهر بعدم سماعها، أو نقول مثلا: «لن أنزل إلى هذا المستوى».. أما إذا ما تمادى الفرد، فبإمكاننا أن نهدده لفظيا أو كتابيا.
ومن الحلول أيضا أن تفعل المؤسسات دورها أو صلاحياتها في ردع المتمادين الذين يتطاولون على المراجعين أو العملاء أو زملائهم، ولا يجدون من يقف لهم بالمرصاد. وهي أيضا مسؤوليتنا جميعا، أفرادا، بأن نتقدم بشكوى ضد من يسيء إلينا، أفرادا أو مسؤولين، فكم من محكمة أو لجان تحقيق انتصرت لمتضررين لسبب بسيط، وهو أن هناك فارقا كبيرا بين حرية التعبير والإساءة غير المقبولة.
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=13029&article=781435#.U9nbOvlxWm4