ــ عضو هيئة التدريس بكلية التربية ـ جامعة الإمارات ــ حاصل على الدكتوراة من جامعة جنوبي كاليفورنيا و الماجستير من جامعة جورج واشنطن ــ عميد سابق لوحدة المتطلبات في جامعة الإمارات ووكيل لكية التربية ــ من أبرز كتبه: المنهاج و أراء في التربية
كتبت هذا المقال بعد مغادرتي مطار دبي في لحظة الذروة كما يُقال، حيث آلاف من البشر يتحركون في أرجاء المطار، منهم من وصل من رحلته وآخر يستعد لها. والسؤال الذي خطر في بالي: لماذا أحب هؤلاء الإمارات حتى فضلها بعضهم على بلده الأم؟
لن أتمكن بكل صراحة من الإجابة عن هذا السؤال، فقررت أن اسأل كل من أتعامل معه في هذه الرحلة، ولا تعتبر هذه الآراء نتيجة استطلاع علمي، ووصلت إلي إجابات مختلفة لعلي ألخصها في محورين أولهما الأمن والأمان وثانيهما المعايير الدولية في مستوى الحياة والخدمات التي تُقدم.
من يتأمل في البنية التحتية في الإمارات ومستوى الطرق والفنادق والمنازل والمدارس أو المستشفيات وغيرها من لوازم الحياة الكريمة من الناحية المادية، يجد أن هناك معايير عالمية تم اعتمادها لهذه الخدمات جعلتها تضاهي ما هو موجود في كثير من مدن العالم الكبيرة مثل نيويورك وباريس أو سنغافورة. لاشك أن تأمين هذا المستوى من الخدمات استقطب الكثير من الناس لجعل الإمارات مركزاً لإدارة أعمالهم والسعادة في حياتهم الخاصة.
وهم يتحدثون عن مستوى الحياة في الإمارات تذكرت فترة دراستي في أميركا عام 1987 عندما كنا نسافر في المطارات المزدحمة مثل «هيثرو» في بريطانيا وشيكاغو في أميركا مقارنين هذه المطارات بمطاراتنا المتواضعة حينها، ونقول كطلبة في حواراتنا متى تكون في الإمارات مثل هذه المنجزات. الحمد لله لقد عشنا كي نرى ذلك في واقعنا، وشهد بذلك العدو قبل الصديق من دون تردد، فمستوى الحياة عندنا فاق توقعاتنا.
لكن ما يميز الإمارات فعلاً عن كثير من مدن العالم المشهورة هو الأمن والأمان الذي يشعر به الإنسان، قال لي أحدهم في بلدي الأصلي لا أسمح لأطفالي بالخروج عند المساء. أما في الإمارات، فالوضع مختلف، أن يكون الإنسان آمناً في سربه نعمة لا بد من العمل على الحفاظ عليها، لأن بفقدانها لا تكون للإنسان حياة حقيقية.
لقد حاول البعض وتحت مبدأ حرية التفكير زعزعة الأمن في الإمارات، وحرية التفكير جزء مهم من سعادة الإنسان وبقائه، وهي ركيزة أساسية في نجاح الإنسان وتقدمه بشرط ألا تتحول هذه الحرية إلى ممارسات مرفوضة تصطدم بثوابت المجتمع مثل وجود تنظيمات سرية اتخذت الإسلام مطية كي تهز الأركان التي قام عليها وطننا عندها فقط تكون حرية التفكير محرمة عقلاً ومجرمة قانوناً. في الطائرة جلس بجواري رجل أعمال عاش سنوات في سنغافورة وأميركا، وهو من أصل أوروبي واستقر في الإمارات منذ سنوات، وأكد على كل ما سبق، عندها، غيرت دفة الحوار إلى التحديات التي سيواجهها مجتمع الإمارات من وجهة نظر غير أبنائه، سمعت منه أول عبارة وهي، غلاء الأسعار، لكنه أردف قائلاً ليس لدي مانع من غلاء الأسعار إنْ كانت في مقابل مستوى الخدمات التي نجدها.
وأما التحدي الثاني الذي أرقني شخصياً، فيتعلق بجودة التعليم الخاص، حيث نجد في الإمارات مدارس كثيرة ترفع شعار المنهاج البريطاني والأميركي أو الدولي لكنها في حقيقتها لا تحقق سوى جزء بسيط من تلك المناهج، فمتى تكون لدينا هيئة اعتماد متخصصة في هذا المجال؟ أما التحدي الثالث، الذي لا أفهم فيه كثيراً، فكان قوله العقار تجارة ناجحة على المستوى القصير، لكن لابد أن يكون معه صناعة يتفرد بها المجتمع وتؤمن له خط رجعة إنْ تغيرت أحوال السوق، فاقتصاد المعرفة لا يتأثر بزلزال البورصة أو العقار. تجربة جميلة أن تنصت لهذا التفكير الإيجابي من عقول مختلفة اشتركت في الثناء على ما تحقق في الوقت نفسه كانت لها عين على المستقبل.
المصدر: الاتحاد