خاص لـ هات بوست:
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي في البلدان التي تمر بأزمة اقتصادية طرفة على شكل حديث “من أعطى أخاه المؤمن غالون بنزين في الدنيا أعطاه الله محطة في الآخرة”، ولا يحتاج المرء لمن يشرح له أنها لا تعدو كونها مزاحاً لا أكثر، إذ تنافي المنطق بمحتواها.
لكن المقياس في الرفض والقبول لم يكن دائماً منطقياً، ولو أن “البنزين” كان لازماً قبل ألف سنة، ولو وُجدت محطاته حينها، ربما لقرأنا اليوم حديثاً مسنداً لفلان عن فلان، يفيد المعنى ذاته، ولأصبح رفضه أو التشكيك به مدعاة للتشكيك بمدى إيمانك وحتى إسلامك، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، كحديث سجود الشمس عند العرش، أو زواج الرسول (ص) من السيدة عائشة وهي في سن التاسعة، بينما تثبت أحداث التاريخ أن عمرها آنذاك ثمانية عشر.
ويبدو أن الحاجة دائماً أم الاختراع، حتى في تلك الصنعة، فواضعو الأحاديث لم يجلبوا أفكارهم من خارج المحيط، وإنما مما تطلبته مجتمعاتهم وظروفها، في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى العلمية، لكن الطامة تكمن في نسب الأقاويل إلى الرسول (ص) أولاً، ثم الطامة الكبرى في تكريسها لتصبح مصدر تشريع، وتنسخ ما جاء في كتاب الله في مواضع كثيرة، ولنا في الوصية مثال شديد الوضوح، ففي حين أكد الله تعالى على أهميتها قبل توزيع أي إرث، وخصص لها آية (البقرة 180) بصيغة تشبه صيغة الصيام (البقرة 183)، اختارت الحاجة أن تنسف الوصية بينما اعتبر الصيام ركناً أساسياُ من أركان الإسلام، والنسف تم بموجب حديثين: “لا وصية لوارث”، و”الثلث، والثلث كثير”، ولم يكتف المجتمع الذكوري باعتبار “الأولاد” ذكوراً فقط دون الإناث، بل حرموا المرء من الوصية لبناته، وكل ذلك بتقول على الله وغالباً بالتقول على رسوله، وفي حياتنا اليومية أدلة دامغة، إذ بالرغم من كل وسائل التسجيل والاتصال والإعلام، ينقل الخبر بأشكال عدة، فما بالك إذا كان المحدثون قد ماتوا ووصلنا الخبر قيل عن قال، ثم دونّاه بعد مئتي عام بأفضل الأحوال؟ لكن اللوم لا يقع على من تقوله، وإنما على من صدقه وعمل به وترك كتاب الله الذي تكفل رب السموات والأرض بحفظه.
ولو أن الأمر بقي متعلقاً بالغيبيات كبناء قصر في الجنة لكل من قرأ دعاء معين عدد مرات محدد في اليوم، لظل الأثر السلبي مقبولاً، على ما يحمله ذلك من إمكانية ارتكاب شتى أنواع الموبقات ثم العودة للدعاء، باعتبار أن القصر مضمون، أما أن تكون الأحاديث مصدراً للتشريع فهذا يعني أن حياتنا أصبحت تتبع لحياة القرن التاسع الميلادي في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت أعراف ذاك الزمان في ذاك المكان هي الدين الذي نتبعه، وبدل الإسلام دين الرحمة الذي جاء للعالم بأسره، حل دين صنع وفق أهواء رجال القرن الثاني أوالثالث الهجري، وما تأثروا به من حضارات مجاورة وملل سابقة، ومن ثم حل “من بدل دينه فاقتلوه” بدل قوله تعالى {من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، وحل {جئتكم بالذبح} مكان قوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي أحسن}، واستوطنت صورة النار في العقل الجمعي وأغلب قاطنيها نساء معلقات من شعورهن بدل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، والقائمة تطول.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل نلقي بكل الأحاديث جانباً؟ أم ماذا تريدون؟ هل نعمل على غربلتها وانتقاء ما يناسبنا؟
ما نحن بحاجة له هو إعادة صياغة عقولنا بحيث تستطيع تمييز ما هو مقبول ومنطقي من غيره، ومن ثم إعادة الاعتبار للإسلام بصفته الدين الذي لا يرتضي الله تعالى سواه، عرفه لنا في كتابه الكريم كدين لكل الناس قوامه الإيمان بالله والعمل الصالح، والقيم الأخلاقية هي عماده، ورحمة الله فيه وسعت كل شيء، بينما عذابه محدد.
وكما عرفنا أن حديث “البنزين” طرفة لا أكثر، نستطيع بقليل من التفكر والتدبر كما أمرنا الله تعالى، تمييز “الطرف” السمجة التي لا تعد ولا تحصى، والتي اخترعها رجال يبدو أنهم اشتكوا من نواقص كثيرة، فأتحفونا بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان.