كاتب سعودي
لا يهم كثيراً كيف أمكن لتنظيم داعش المجرم جمع عناصره السافلة، ولا كيفية تمويله أو الأيادي الخفية التي تحركه. هذه الأمور من اهتمامات مراكز الاستخبارات والجاسوسية الدولية.
ما يهم، أولاً، أن هذا التنظيم أعلن الحرب على وطننا وأمننا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا.. وثانياً أن كافة أفعال هذا التنظيم الخبيث تصب في مصلحة نظامين معاديين، سوريا وإيران، وهما خبيثان مثله.. وثالثاً أن حكومتنا تشارك في الحرب العالمية الشاملة على هذا التنظيم لاجتثاثه من الأرض.
لكن ثمة أمراً آخر يهمني شخصياً أكثر من كل الأمور السابقة، فهذه يتم التعامل معها بالفعل. الهمّ الأكبر هو كيف ستتعامل حكومتنا لاحقاً مع فلول السعوديين الهاربين من الضربة واستطاعوا التسلل مرة أخرى إلى أرض الوطن؟. أرجو، بل أطالب حكومتي بإلحاح، ألا تكرر عندئذ نفس الأخطاء التي ارتكبتها مع موجات الإرهاب السابقة.
حالياً اتضحت الصورة عن تنظيم داعش بما لا يترك لأحد مجالاً للاعتذار والاحتيال بالحياد الشرعي أو الأخلاقي. تنظيم داعش، عملياتياً، مكون أساسي من منظومة الدفاع عن النظام الطائفي في سوريا وحلقة جهنمية في الشبكة السرية الإيرانية.
المجندون السعوديون الهاربون من صفوف داعش وكذلك الأفلام المهربة سرياً عن وحشية هذا التنظيم كشفت لنا من الحقائق ما فيه الكفاية.
السبي واغتصاب النساء وتنفيذ الإعدامات بالرجال ورمي جثثهم في الهاويات والمرادم، كان وما زال من نصيب المقاومة ضد النظام السوري، عرباً وكرداً ومسيحيين وإيزيديين. هذه هي نفس ممارسات جيش النظام السوري والفيالق الفارسية والكتائب الطائفية القادمة من العراق ولبنان.
حين اكتسح تنظيم داعش غرب العراق بسهولة غير متوقعة، أخلى سبيل الضباط المهمين لإيران والمالكي، وذبح مئات المجندين العراقيين الصغار.. ما الذي يهم إيران وحكومة المالكي والنظام السوري عندما يذبح تنظيم داعش آلاف الشباب العراقيين باسم الجهاد الإسلامي، وهو محسوب على العرب السنّة؟.. التفاف تنظيم داعش بعد ذلك بعيداً عن الحكومة المركزية في بغداد، باتجاه القرى الكردية والأرياف الإيزيدية يقول الكثير عن النوايا التي تحرك هذا التنظيم المجرم.
الآن يتواجد في صفوف تنظيم داعش ما يقارب ألفاً وخمسمائة إلى ثلاثة آلاف سعودي. هذا المكون السعودي أحرق هوياته الوطنية وداس على علمه وأقسم بالأيمان المغلظة أن يقضي على السعودية ويحوّلها إلى أرض محروقة.
تنظيم داعش كان منذ بداياته عبئاً ماحقاً على الثورة السورية، ولصالح النظام الحاكم، ثم أصبح عبئاً علينا وعلى الإسلام وعلى كل العالم، ما عدا إيران والنظام السوري.
لم يعد هناك مجال للاحتيال والحياد من قبل أي سعودي بحجة أن التحالف ضد داعش لا ينسجم مع ما يظنه مع الثوابت الشرعية التي ينتقيها مفصلة على عواطفه الداعشية.
أصبح أمن الوطن ومستقبل أبنائناً وأحفادنا على المحك ولا مجال للمساومة والاحتيال.
لكن ماذا بعد هلاك تنظيم داعش، وهو هالك لا محالة. بعد ذلك يبدأ الواجب الأكبر، وهو أن تتذكر السلطات السعودية نتائج تساهلها وليونتها في الماضي تجاه التنظيمات الإرهابية، وألا تكررها مرة أخرى، فنحن ما زلنا نحصد نتائج تلك السياسات المهادنة.
بعد مرحلة جهيمان تهادنت الدولة السعودية إلى حد بعيد مع أدبيات ذلك التنظيم. أوقف آنذاك الانفتاح النسبي في برامج التلفزيون والرقابة على الرأي وقدم إلى الواجهات التربوية تعليم لا يختلف كثيراً عما كتبه جهيمان في رسائله الشرعية. الجرعات التكفيرية والإقصائية تم تكثيفها في المناهج الدراسية والجامعية.
كانت النتائج كارثية، أخفها الشتم والقذف والاستعداء والاتهامات بالعمالة للسفارات والتكفير بتهمة الليبرالية والعلمانية، ثم خيّم الظلام الدامس على العقول والأفكار لعقود.
ثم مرة أخرى بعد نهاية الاستنفار الجهادي في أفغانستان وعودة الأفغان السعوديين إلينا، لعلع الرصاص ونسفت المباني وقتل المئات من أبنائنا الجنود والضباط ومن المواطنين المدنيين والمقيمين المستأمنين تحت المظلة الأمنية السعودية.
صحيح أن السلطات الأمنية تعاملت ميدانياً مع الأحداث بكفاءة، ولكن الحكومة كررت نفس الغلطة السابقة التي مارستها مع تمرد جهيمان.
عيّنت لجان المناصحة الشرعية وبدأت الإغراءات بتأمين الوظيفة والسكن والزواج والسيارة للإرهابي التائب، وهي مكاسب لا يحصل عليها أغلب الشباب المسالم المكافح حتى نهاية العمر.
لاحقاً تسرّب أكثر المستتابين إلى القاعدة في اليمن والنصرة وداعش في سوريا، وما زالوا من أشد الناس عداوة لوطنهم وحكومتهم وذويهم. الآن أصبح سؤال المستقبل الأهم هو: كيف سيتم التعامل بعد القضاء على داعش، مع الناجين من الهلاك المتسللين عودة إلى الوطن والمقبوض عليهم؟.. هل سوف يحوّلون مرة أخرى إلى لجان المناصحة ثم تتكرر المأساة؟.. هذه المرة يجب أن تكون الأخيرة، ويجب استيفاء الفاتورة كاملة مع كل أنواع الإرهاب في الخارج والداخل، العملياتي والتنظيري منه، وقطع رؤوس الأفاعي وهدم الجحور على بيضها قبل التفقيس. إن تكرر التساهل مرة أخرى سوف نُواجه إرهاباً أشد شراسة وأكثر خبرة ودهاءً من كل ما سبق.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
المصدر: الجزيرة
http://www.al-jazirah.com/2014/20140929/lp2.htm