كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
هنا سنبدأ بالنقل والاقتباس الحرفي… (ومثلما فعلنا قبل أسبوعين بتطبيع علاقاتنا كاملة مع إسرائيل سنعمل على تطبيع علاقاتنا أيضا مع سورية بشرطين: احترام وحدة الأراضي السورية كاملة غير منقوصة، وأن يحترم النظام السوري وحدة وأمن الأراضي التركية). انتهى. التصريح السابق ليس لرئيس وزراء أرمينيا ولا لخارجية أذربيجان، بل لرئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، نهاية الأسبوع الماضي، وأنا هنا أنقله حرفيا لأهديه إلى كل المحتفين الهاربين في هرولة عمياء إلى تحت “عباءة السلطان”. السلطان في أنقرة اليوم لا يلبس عباءة الفاتح ولا قلنسوة عبدالحميد، بل يرتدي البدلة التي لن تسمح بدخول واختباء حشرة صغيرة فيها. هكذا هي السياسة: إنها تفصيل الجسد بحسب المستجدات في الطول والحجم ومناورات المساحة. وأنا هنا أشد على يدي بن علي يلدرم وقيادته، لا لإعلان التطبيع مع نتنياهو وبشار، بل لانحيازهما الكامل إلى مصالح الشعب التركي الذي استلما أمانة قيادته بثوب ديمقراطي وللواقعية البراغماتية في القفز إلى المركب الآخر حين اكتشفا رخاوة وميوعة الحليف التقليدي الأميركي. في بحر العام الماضي كاملا تقابل وزراء خارجية أميركا وتركيا رسميا أربع مرات، لتكتشف تركيا أنها لم تستنشق من واشنطن سوى غبار الرماد الساخن، هنا (عكس) إردوغان الخط لينعطف بقاطرته السياسية 180 درجة. وفي ظرف أسابيع ثلاثة فقط تقابل “رسميو” السياسة في تركيا وروسيا وإيران تسع مرات على مستويات عليا متفاوتة، وكلها اجتماعات تنتهي رسائلها البريدية في ظروف مفتوحة ينقلها الوسيط ما بين أنقرة إلى دمشق.
وعودة إلى البدء: من حسن حظ بن يلدرم وقيادته أنهما لا يقرآن اللغة العربية، وبالتالي تحررا تماما من عقدة المشجع والجمهور ومن الالتزام الأدبي برد الجميل إلى كل الهاربين هرولة إلى عباءة السلطان. كيف سيهرب هؤلاء بعد أن لبس سلاطين الأستانة هذه البدلات الأنيقة الضيقة؟ ماذا سيقول هؤلاء المهرولون بعد أن أسبغوا على الرئيس جملة “رضي الله عنه” مباشرة بعد اسمه، وبعد أن أطلق عليه واحد من أشهرهم لقب “سادس الخلفاء الراشدين”؟ كيف سيظهرون في قنوات القسطنطينية الفضائية بينما “سماحة السيد” يجوب أنقرة ويخرج منها حاملا ظرفا مفتوحا إلى بشار دمشق بصفته مندوب المرشد الأعلى الولي الفقيه؟ السؤال المباشر: كيف سيخرج هؤلاء من عباءة “الفقه” التي ألبسوها الرئيس بعد أن ظهر الأخير علنا ببدلة السياسة؟ الخلاصة أن إردوغان التفت إلى مصالح شعبه وقرأ نظرية السياسة في مساراتها وتحولاتها الإستراتيجية. وبذكاء خارق أدرك أنه لم يعد هناك في هضبة الأناضول مكان لمحمد الفاتح ولا لحفيده عبدالحميد. عباءة السلطان اليوم تحت الصيانة والترقيع، ولكن في متحف “قايتباي” من أجل بضع ليرات يدفعها سياح الزفة كي يشاهدوها خلف زجاجة سميكة.
المصدر:الوطن