إعلامية ومهتمة بالشأن الثقافي
سأواصل هذا الأسبوع الكتابة عن مأساة اللاجئين السوريين، لكنني هذه المرة سأحدثكم عن الوجه المشرق لهذه المأساة، فقبل عدة أسابيع كنت أتصفح ما تيسر بين يدي من صحف؛ لأقرأ خبرا عن لاجئ سوري في ألمانيا يدعى نجيب ورد وشقيقه كريم، تلميذان تفوقا على زملائهما الألمان في اللغة والمواد الدراسية، وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط على التحاقهما بالدراسة، ما دفع مسؤولي التعليم هناك إلى تحويلهما فورا إلى مدرسة للمتفوقين.
خلدون حميشة متفوق سوري آخر وفي ألمانيا أيضا، تغلب على ظروفه الصعبة ونال جائزة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي للطالب الأجنبي؛ نظرا لجهوده العلمية والإنسانية في مساعدة أبناء بلده من اللاجئين، للحصول على قبول دراسي داخل الجامعات الألمانية.
تلك القصص الملهمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة للنجاحات التي يحققها عدد كبير من السوريين، ممن اضطرتهم ظروف الحرب إلى ترك بلدهم وطلب اللجوء، ففي فرنسا احتفى الإعلام قبل عدة أشهر بالطالب السوري هيثم الأسود الذي جاء من درعا مهد الثورة السورية، ليتم قبوله في أهم المدارس الفرنسية، علما أنه قبل ثلاثة أعوام فقط لم يكن يتحدث كلمة فرنسية واحدة.
هيثم انتقد في تصريحه لإحدى الصحف وبشدة مناهج التعليم في سورية، لا سيما مادة التربية القومية التي تزرع في نفوس الطلاب كما يقول ثقافة الخضوع والتبجيل لبشار الأسد ووالده، فضلا عن تلك المقررات التي تعتمد الحفظ والتلقين فقط؛ مبتعدة عن جوهر الاحتفاء بالعقل البشري، والعمل على تنميته وحصد إبداعه، وهنا لا أعتقد أن الأمر يطال الحالة السورية فقط.
في بريطانيا سُجلت قصة نجاح سورية أخرى ولكن من نوع مختلف، إنها قصة رزان الصوص، تلك اللاجئة التي وصلت إلى بريطانيا قبل ثلاث سنوات، بعد أن أكملت دراسة الصيدلة في سورية، ونظرا لصعوبة ممارسة هذه المهنة في المملكة المتحدة قبل معادلة الشهادة من الجهات المختصة، فكرت رزان في مشروع بسيط قد يدر دخلا يساعدها في سد حاجة عائلتها، ولم تكن تتخيل للحظة أن “جبنة الحلوم” الشامية ستكون طريقها إلى ذلك.
تعلمت رزان طريقة صناعة هذه الجبنة من بعض الكتب والمواقع الإلكترونية وأضافت إليها لمسة مميزة، ثم اقترحت مشروعها على بعض الجهات المانحة التي سارعت إلى تبنيه؛ نظرا لأن إنجلترا هي ثاني مستهلك على المستوى الأوروبي لجبنة الحلوم، وتوجت قصة رزان بالنجاح عندما منحتها هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية “بي بي سي” جائزتها البرونزية كأفضل نوع جبنة في برنامج تلفزيوني.
لم أستغرب في حديث رزان بعد فوزها بالجائزة، إشارتها إلى بعض العادات والتقاليد في المجتمعات الشرقية، والتي تثبط همم من يطرح أفكارا جديدة، فيما لم يستهجن من عرضت عليهم فكرة مشروعها، وسارعوا إلى رفع عزيمتها للإقدام على التنفيذ، وذلك ينطبق أيضا على عشرات القصص التي خلدها التاريخ لعباقرة من الشرق احتضنهم الغرب وقدم لهم كل ما يسهل إبداعهم، فلم يبخلوا عليه بهذا الإبداع.
هي ليست الموجة الأولى لهجرة السوريين إلى الخارج، لكنها الموجة الأكثر زخما بالنسبة لأوروبا التي لن تفوت فرصة الاستفادة من تلك المواهب والعقول، بينما سنبقى نراقبهم من بعيد ونتساءل عن أسباب هجرة العقول العربية، فهل فكرنا في احتضانهم يوما؟ طبعا، ولكن ليس الآن، بل عندما يحصلون على أفضل درجات التعليم وحقوق المواطنة في الغرب، ليعودوا إلى العمل في أوطاننا كخبراء أجانب، يتقاضون أعلى الأجور والامتيازات، ويدينون بالولاء لتلك الدول التي صنعت أمجادهم، لكن الذنب ليس ذنبهم، فنحن من خسرناهم على أية حال، وهم الرابحون في كل الأحوال.
المصدر: صحيفة الوطن السعودية