جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

لماذا القلق الوجودي.. ونحن بخير؟

آراء

خاص لـ هات بوست:

« الفهم لعنة، والجهل نوم هادئ » إميل سيوران

     كل يوم نشاهد الغروب ونعرف أنه ينسحب ببطء من أمامنا، ومع ذلك لا نفقد دهشتنا. لعل الغروب يشبهنا؛ نعيش بين وعد البقاء وإشارة الوداع. هذه المفارقة تصنع الإنسان.

كنتُ أتساءل وأنا أراقب آخر خيط من الضوء: لماذا نتمسك بجمال نعرف أنه يختفي؟ ربما لأننا، رغم إدراك النهاية، نواصل العيش كأن بيننا وبين الفناء هدنة طويلة. نبني بيوتًا سنغادرها، ونضحك مع أحبّة سنفقدهم يومًا. الغريب أن هذا الوعي بالزوال لا يطفئ البهجة… بل يشعلها.

     من هنا يولد القلق الوجودي؛ ذلك الثقل الخفي الذي يزورنا بلا سبب واضح. قد نصحو في صباح صافٍ، وكل شيء في مكانه الصحيح، ومع ذلك هناك شيئًا ما يضغط على صدورنا. رغم عدم وجود أي خطر حولنا، فقط الهمسة القديمة:

«كل هذا مؤقت». المشكلة ليست فيما نملك، بل في ما نعرف. وهذه المعرفة لا ترحم.

     كيركغارد يقول: إن القلق لا يأتي من الخارج، بل يخرج من داخل الإنسان نفسه. فالحرية مربكة؛ أن تعرف أنّ كل شيء ممكن، وأنك وحدك مسؤول عن الطريق الذي اخترته… وعن الطرق التي تركتها. وربما نقلق لأن القلب والعقل لا يحتملان فكرة الخيارات التي لم نعشها.

     يظن البعض أن الإيمان ينهي القلق، لكنه في الحقيقة يهدّئه فقط. الخوف من الموت ليس ضعفًا في الإيمان، بل علامة أن القلب ما زال حيًا. فالمؤمن لا يتخلص من القلق، بل يتعلم كيف يضعه في مكانه الصحيح، وكيف يجد فيه بابًا يقرّبه من الله.

ومع الفهم، تولد بهجة باقية؛ بهجة لا تهرب من الحزن، بل تعرفه وتحتويه. بهجة تقول: نعم، أعرف الألم… لكنه لن يكسرني.

    القلق الوجودي لن يغيب، لكنه يهدأ عندما نتوقف عن ملاحقة المستقبل ونسمح للحظة بأن تأخذ مساحتها في حياتنا. نكتشف أننا لا نحتاج الكثير! ما نحتاجه بحق لحظة صدق، نفس عميق، أو مشهد غروب يجعل اليوم أخفّ. حين نعيش حاضرنا بدل من التفكير في ما ينتظرنا، يصبح القلق مجرد همسات لا تسيطر على تفاصيل حياتنا. فالغروب لا يبقى طويلًا، لكنه يكفي ليذكّرنا أن الجمال يحدث الآن… لا غدًا.