كاتب وروائي إماراتي
عندما أخبرني صديقي بأن والده قد أصيب بجلطة خفيفة في القلب جراء خسارته تسعة ملايين درهم في البورصة. تساءلت بيني وبين نفسي : وهل يستحق الأمر كل هذا الحزن؟
أدرك جيداً بأن حجم خسارته يعادل ما نسبته 30 % من إجمالي ثروته السائلة , ولكن المبلغ المتبقي لديه جيد جداً ( حوالي 21 مليون درهم ) . ويضمن له ولأبنائه حياة رغدة , ويضعه في خانة المقتدرين مالياً. ولن يضطره إلى طرق أبواب الجمعيات الخيرية أو مد يديه لأقربائه وأصدقائه وجيرانه طلباً للمساعدة والعون.
فهو ما يزال قادراً على اقتناء البوغاتي, وارتداء الرولكس, وقضاء الصيف بأكمله خلف جبال الألب السويسرية. لكنه للأسف لم ينتبه لكل ذلك , وركز كل تفكيره على الملايين التسعة التي خسرها. وهذا الأسلوب من التفكير يصعب معه الاستمتاع بالحياة , مهما توفرت فيها أسباب الرفاهية والسعادة.
في سنوات دراستي الأخيرة لعلم الاقتصاد , أخبرني دكتور ليبي قادم من ولاية أريزونا الأمريكية بأن المليون الأول في حياة الإنسان هو الذي يغير من حياته كثيراً. فمن خلاله يستطيع السفر وشراء سيارة جديدة وأثاث جديد , وأشياء أخرى كثيرة تُشعره بالفارق. والمليون الثاني له تأثير ملموس أيضاً , فمن خلاله يستطيع بناء منزل مناسب. ويبدأ التأثير بالتناقص التدريجي مع توالي الملايين في رصيده , حتى يصل في النهاية إلى مستويات غير محسوسة.
فما الذي سيتغير في حياة تاجر يملك في رصيده مليار درهم , إذا تضاعفت ثروته إلى مليارين مثلاً ؟ , لا شيء بالتأكيد , فهو قد أشبع جميع احتياجاته بشكل كامل بالعشرة ملايين الأولى التي كسبها. وكل ما يأتي بعدها يتراكم في حسابه كرصيد اضافي غير محسوس التأثير. أو يدور مرة أخرى في مشاريع استثمارية جديدة , قد تولد المزيد من الأرباح أو قد تستنزف جزءاً منها.
لا أقصد من كلامي السابق التقليل من أهمية الطموح . فالطموح ضرورة بشرية لا غنى عنها لاستمرار الازدهار والتطور. ولكنها دعوة لالتقاط الأنفاس , والاستمتاع بما لدينا من مقومات السعادة , والتفكير في أمور أخرى أكثر عمقاً , ومن شأنها أن تمنح حياتنا المزيد القيمة.
ويحضرني هنا مثال جميل لطبيب ألماني ناجح , عمل في عيادته الخاصة في فرانكفورت لعشر سنوات , كون خلالها ثروة جيدة , وأشتهر بين رفاقه بسيارته الكورفت الحمراء , التي تزيد من ارتباطه بمرحلة الشباب التي يعشقها ولا يود مفارقتها.
هذا الطبيب انتبه فجأة لمعنى أعمق للحياة , فأغلق عيادته الفخمة, وباع سيارته الأنيقة, وسافر إلى أدغال أفريقيا الموحشة ضمن حملة إغاثة عالمية لمكافحة الأوبئة التي تفتك بالفقراء هناك. هذا النموذج الجميل من البشر , يثير في عقلي سؤال عميق : هل نحن نشتري السعادة بالمال , أم نشتري المال بالسعادة ؟ أعتقد أننا بحاجة إلى أن نتأمل سلوكياتنا جيداً لنتمكن من الإجابة على هذا السؤال!
المصدر: صحيفة الرؤية