كاتبة سعودية
في سيرة الإمام الزاهد أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه عاد إلى منزله جائعا فسألهم أن يأتوه بطعام، فقدموا له ما أعجبه، فسألهم من أين أتيتم به، فردت زوجته من بيت ابنك، فقفز مسرعا وذهب إلى حيث جاهد نفسه حتى استخرج ما في معدته، قالوا لأن ابنه -وكان فقيها- كان يرى جواز أخذ هدية السلطان وأحمد يرى حرمتها… إنه الإسلام ببساطة، كل شخص مسؤول عن اختيارات عقله، فلم يكره أحمد ابنه، ولا رفض أبوته، ولا حتى قال أحد لأحمد أنت تصعد المنابر تقول وولدك يفعل كذا وكذا..؟
لكننا لسنا في زمان الحنابلة العظماء، بل في زمان التقليد وتأجير العقول، ليس فقط لمن يحملون درجة الدكتوراه في الحديث مثل رقية المحارب، بل حتى من لا تتجاوز ثقافته الإسلامية كتاب رياض الصالحين، متجاهلين أن ابن تيمية -طيب الله ثراه- قال عن هذا التقليد، «إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدليل بنفسه فلا يحلّ له التقليد».
وكل السعوديين مروا بـ12 سنة تعليم ديني ومع ذلك يعتقدون أنهم لا يحق لهم سؤال من يخطط حياتهم، وبوجه مصائرهم عن دليله أو مبرره في هذا الرأي، أو هل هناك خلاف فقهي كما هو في 90 في المئة من قضايانا.
قبل أعوام عديدة كنا في مادة اسمها التربية العملية، حيث نزور المدارس ونمارس التدريس ومعنا إحدى أستاذاتنا وكانت أستاذتنا داعية كبيرة، وكان هناك قروب آخر لمادة الكيمياء -على ما أذكر- وفيه طالبة مميزة كانت تعاني تشوها في أسنانها وتفرقا كبيرا وتشوها في شفتيها جعلها عرضة لسخرية الطالبات، حتى وصل بهن الأمر لإخلاء الصف الأول في الفصل بدعوى أنها عندما تشرح يتعرضن لأذى ما، مما أدخلها في نوبة بكاء، فاقترحت عليها أن تجري جراحة تجميل، فالتفت الجميع نـحوي وكان ذلك في أواخر التسعينات، ولم يكن هناك أي قبول للتجميل وجراحته. استحسنت الفتاة الفكرة، لكنها قالت إنها ستسأل الداعية الكبيرة عن الحكم، فشعرت بالحزن، ليس لأنها لم تكتف برأيي، ولكن لأن الأمر منطقي، فهي معلمة والطالبات المراهقات لن يجاملنها مطلقا، كما أنها ستتزوج غدا وهناك أمور كثيرة تدل على أن الله لا يريد لها الأذى.
لكنها أصرت، وراقبت الموقف من بعيد ويداي الغاضبتان مخبأتان في جيبي تنورتي، وأنا أشاهد الداعية تقنعها أن رضا الله مقدم، وأن الأمور واضحة، وأن لا تغيير لخلقة الله، عز وجل، يومها قامت تلك الفتاة من الاجتماع وهي تستعد للآخرة، بينما هناك حياة ممتدة من الآلام غير المعالجة تنتظرها، ألقت نظرها نحوي فالتفت عنها حزنا على عقلها الجميل المغيب، وبعد سنوات قدر الله لي أن أدرس بنات هذه الداعية الكبيرة، ولم أصب بالدهشة وهن يضعن تقويما في أفواههن.
رغم كل شيء تتكرر هذه القصة التي تصيب السعوديين بالدهشة عندما يشاهدون صور من أقنعهم بعدم الابتعاث وهو يحتضن ابنه خريج البلاد الكافرة، أو مباركا لابنته درجة الدكتوراه من بلاد التغريب، أو ينقل لهم مذيع ما قصر أحد من أقنعهم دائما بأن الآخرة هي الهدف الوحيد للمسلم، أو حتى يكتبوا قصائد العشق لبنات أصدقائهم -كما فعل القرضاوي- وهم يزفون الشباب لتفجير أنفسهم.
إنه ذنبك وليس ذنبهم ولا ذنب الإسلام، فلم يأمرك مطلقا بتأليههم، والاعتقاد أنهم يملكون حق تكفيرك أو تصنيفك، أو رسم حياتك والقرآن بين يديك، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمسافة جوجل في جوالك.
المصدر: الوطن