
افتقار القادة الأمريكيين والأوروبيين الشديد للخيال يدفع العالم إلى حافة الحرب
بقلم: آن أبلباوم – ذي أتلانتيك
ترجمة: هتلان ميديا
كم أحسد ليز تراس على الفرصة التي حصلت عليها! وكم يؤسفني فشلها الذريع في الاستفادة منها! لمن لم يسمع عن ليز تراس من قبل، فهي وزيرة الخارجية البريطانية التي ذهبت إلى موسكو هذا الأسبوع لتخبر نظيرها الروسي، سيرجي لافروف، أن بلاده لا ينبغي أن تغزو أوكرانيا. ولم تكن تلك الرحلة ناجحة، ففي مؤتمر صحفي بارد شبّه محادثاتهم بحديث “البكم” مع “الصم”، ولصب مزيد من الزيت على النار، سرّب لاحقاً حقيقة أنها خلطت بين بعض المناطق الروسية والأوكرانية.
لقد فعل لافروف ذلك مرات عديدة من قبل، فالعام الماضي، تصرف بوقاحة مع جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كما إن سلوكه غير مهذب في المؤتمرات الدولية ووقح مع الصحفيين. سلوك لافروف ليس من قبيل الصدفة، فمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يستخدم لافروف السلوك العدواني والسخرية كأدوات لإظهار احتقاره لمتحديثه، ولوصف المفاوضات بأنها غير مجدية حتى قبل أن تبدأ، إضافة إلى إثارة الهلع وعدم الاكتراث، بهدف وضع الدبلوماسيين الآخرين في موقف دفاعي أو دفعهم إلى الاستسلام هرباً من حالة الاشمئزاز.
حقيقة أن لافروف شخص بغيض وعديم الاحترام للآخرين ليست جديدة، مثلها مثل حقيقة أن بوتين يعظ القادة الأجانب لساعات طويلة حول مظالمه الشخصية والسياسية، وقد فعل ذلك في المرة الأولى التي التقى فيها بالرئيس باراك أوباما منذ أكثر من عشر سنوات، كما فعل نفس الشيء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي. كان ينبغي على ليز تراس أن تعرف كل ذلك، فبدلاً من الكلام الفارغ حول القواعد والقيم، كان بإمكانها أن تبدأ المؤتمر الصحفي على النحو التالي:
مساء الخير سيداتي وسادتي. يسعدني أن أنضم إليكم بعد لقاء نظيري الروسي سيرجي لافروف. هذه المرة، لم نهتم بمناقشة المعاهدات التي لن يحترمها أو الوعود التي لن يحفظها، وبدلاً من ذلك، قلنا له أن غزو أوكرانيا سيترتب عليه تكاليف باهظة للغاية – أعلى مما يمكنه تخيله، فنحن نخطط حالياً لمنع واردات الغاز الروسي تماماً وستحصل أوروبا على إمداداتها من الطاقة من أماكن أخرى، كما إننا نستعد لمساعدة المقاومة الأوكرانية، لمدة عشر سنوات إن لزم الأمر، وسنزيد أيضاً دعمنا للمعارضة الروسية وللإعلام الروسي أربعة أضعاف. ونود أن نتأكد من أن الروس سيبدأون في الاستماع إلى الحقيقة حول هذا الغزو وبأعلى صوت ممكن. وإذا كنتم تريدون تغيير النظام في أوكرانيا، فإننا سنعمل على تغيير النظام في روسيا.
كان من الممكن أن تضيف تراس، أو بوريل من قبلها، إهانة شخصية بسيطة – بنفس أسلوب لافروف – وتتساءل بصوت مرتفع كيف يمكن لراتب لافروف الحكومي أن يغطي تكاليف العقارات الفخمة التي تستخدمها عائلته في لندن. وكان بإمكانها سرد أسماء العديد من الموظفين الحكوميين الروس الآخرين الذين يرسلون أبناءهم لتلقي تعليمهم في باريس أو لوغانو. كما كان بإمكانها أيضاً أن تعلن أن جميع هؤلاء الأبناء ووالديهم في طريق عودتهم إلى ديارهم في روسيا، فقد انتهى عهد دخولهم المدارس الأمريكية في سويسرا! وانتهى عصر امتلاكهم بيوت عطلة في نايتسبريدج! ولم تعد هناك لديهم فرصة للتجول بيخوتهم الفاخرة في البحر المتوسط!
بالطبع لن تقول تراس أي شيء من هذا القبيل، ولا حتى في جلساتها الخاصة، مثلها في ذلك مثل بوريل، وماكرون، والمستشار الألماني الذي توجه إلى موسكو هذا الأسبوع. للأسف الشديد، لا يزال القادة والدبلوماسيون الغربيون، الذين يحاولون الآن درء الغزو الروسي لأوكرانيا، يعتقدون أنهم يعيشون في عالم يحترم القواعد أو البروتوكولات الدبلوماسية أو يقدّر الكلام المهذب، فجميعهم يعتقدون أنهم عندما يذهبون إلى روسيا، سيتحدثون إلى أشخاص يمكن تغيير طريقة تفكيرهم عن طريق النقاش، ويعتقدون أيضاً أن النخبة الروسية تهتم بأمور مثل “السمعة الطيبة” ولكن تلك النخبة لا يهمها ذلك.
في واقع الأمر، عند التحدث إلى المستبدين الجدد، سواء في روسيا أو الصين أو فنزويلا أو إيران، فإننا نتعامل مع وضع مختلف تماماً، فهؤلاء الأشخاص لا يهتمون بالمعاهدات أوالوثائق، ولا يحترمون سوى القوة الصلبة. روسيا تنتهك مذكرة بودابست للضمانات الأمنية لعام 1994، والتي تضمن أمن أوكرانيا، ولكن هل سمعت بوتين يتحدث عن ذلك من قبل؟ بالطبع لا، كما إنه لا يشعر بالقلق بشأن سمعته غير الجديرة بالثقة أيضاً، فالكذب يبقي المعارضين متيقظين. وبالمثل، لا يمانع لافروف إذا كان مكروهاً من الجميع، لأن الكراهية تمنحه هالة من القوة.
نواياهم تختلف عن نوايانا، فلا يهدف بوتين أن تكون روسيا مزدهرة ومسالمة، بل أن يكون هو على رأس السلطة، كما يسعى لافروف للحفاظ على مكانته في العالم الغامض للنخبة الروسية وبالطبع الحفاظ على أمواله الطائلة، فكلمة “اهتمامات” لا تعني نفس الشئ بالنسبة لنا ولهم، فعندما يتحدثون مع دبلوماسيينا، فإنهم لا يسمعون أي شيء يهدد مواقعهم أو سلطاتهم أو ثرواتهم الشخصية.
وعلى الرغم من كل ما قيل، لم يحاول أحد بجدية إنهاء أو حتى الحد من، عمليات غسيل الأموال الروسية في الغرب، أو إنهاء النفوذ السياسي أو المالي الروسي في الغرب، ولم يأخذ أحد على محمل الجد فكرة أن الألمان يجب أن يستغنوا عن الغاز الروسي، أو أن فرنسا عليها أن تحظر الأحزاب السياسية التي تقبل الأموال الروسية، أو أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة يجب أن تمنعا أصحاب رؤوس الأموال الروس من شراء العقارات في لندن أو ميامي، كما لم يقترح أحد أن الرد المناسب على حرب المعلومات التي شنها بوتين على نظامنا السياسي يجب أن يكون حربًا معلوماتية عليه.
نحن الآن على شفا ما يمكن أن يكون صراعًا كارثيًا، حيث يجري إخلاء السفارات الأمريكية والبريطانية والأوروبية في أوكرانيا وتحذير المواطنين لمغادرة البلاد. ولكن هذه اللحظة المخيفة لا تمثل فشلاً للدبلوماسية فحسب، وإنما تعكس أيضًا فشل الخيال الغربي، ورفضًا طويل الأمد من جانب الدبلوماسيين والسياسيين والصحفيين والمثقفين، لفهم نوع الدولة التي تتحول روسيا إليها، والاستعداد لذلك جيداً. لقد رفضنا أن نرى ممثلي هذه الدولة على حقيقتهم، ورفضنا التحدث إليهم بالطريقة المناسبة، والآن، ربما يكون الوقت قد فات.
ترجمة هتلان ميديا نقلاً عن موقع “ذي أتلانيتك”
المقال الأصلي باللغة الإنجليزية