باحث وكاتب مصري
والإشارة هنا للقاء الذى جمع يوم الثلاثاء الماضى رئيس الجمهورية مع بعض الشخصيات العامة (الجمعية الوطنية للتغيير ممثلة فى الدكتور عبدالجليل مصطفى والأستاذ حمدى قنديل) والحزبية متنوعة التوجهات، من ليبرالية (أحزاب الوفد ومصر الحرية والمصريين الأحرار وغد الثورة) ويسارية (التحالف الشعبى والكرامة الناصرى) وإسلام سياسى (الحرية والعدالة والنور والبناء والتنمية). ذهبت للقاء الدكتور مرسى وقبلت دعوته، أولاً، لأنه رئيس جمهورية منتخب له كامل الشرعية الديمقراطية وليس بمغتصب للسلطة. أختلف معه ومع حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان فى أمور كثيرة سجلت هنا فى هذه المساحة معارضتى لها أكثر من مرة، إلا أن رفضى للانتقاص من شرعية الرئيس وللدعوة الموتورة لاستخدام العنف ضده كامل ولن يصبح أبدا محل مساومة انطلاقا من حسابات انتخابية أو حزبية ضيقة.
ذهبت للقاء الدكتور مرسى، ثانياً، لأن مصر تواجه مخاطر وتحديات حقيقية فى سيناء تستلزم تكاتفنا جميعا وتعاوننا الجاد للتغلب عليها. ذهبت للتدليل على أن مزايدات السياسيين والأحزاب وصراعاتهم واتهاماتهم المتبادلة لا مكان لها بعد أحداث إرهابية وإجرامية كالتى تتعرض لها سيناء الآن وتُختبر بها سيادة وسيطرة الدولة المصرية على منطقة حُررت بدماء المصريين وتضحياتهم العظيمة بعد نكسة ١٩٦٧. تمتنع المزايدة والمتاجرة بدماء الشهداء وكذلك الحسابات الحزبية الضيقة فى لحظة كهذه، وتوضع المصلحة والأجندة الوطنية فى المقدمة ويجتهد الجميع نقاشاً وتشاوراً وتفاعلاً مع مراكز صنع القرار (الرئاسة والأجهزة السيادية والتنفيذية) بهدف إنقاذ سيناء واستعادة سيطرة الدولة عليها.
ذهبت للقاء الدكتور مرسى، ثالثاً، لأطالبه بأن يتحرك بسرعة مع حكومته والأجهزة السيادية والتنفيذية لإنقاذ سيناء وفقا لخطة متكاملة ولأسجل أمامه أنه هو المسئول الأول عن هذه الخطة وسيتحمل سياسيا وشعبيا عواقب نجاحها أو إخفاقها، واحتمالية الإخفاق هى أمر لا يتمناه مصرى وطنى. الرئيس هو صاحب ترسانة الصلاحيات والأدوات التى تمكّنه من متابعة عمل الأجهزة السيادية والتنفيذية جميعا والإشراف عليها، وهو المسئول أمام المصريات والمصريين عن الرد على الإرهابيين الذين استباحوا دماء مصرية، وعن إنقاذ سيناء، وسيحاسبه الشعب سلميا وديمقراطيا على هذا الأساس. وفى هذا السياق، طالبت الرئيس بالشفافية فى التعاطى مع سيناء وإخبار الرأى العام، وبما لا يضر بالأمن القومى، بمجريات الأمور وحقيقة ما تواجهه الدولة هناك، واقترحت تشكيل لجنة للتحقيق فى الثغرات الأمنية التى سهلت للإرهابيين القيام بفعلتهم البشعة، ولتحليل مجمل الوضع فى سيناء ومن ثم مساعدة الرئاسة والأجهزة السيادية والتنفيذية فى وضع خطة إنقاذ سيناء.
ذهبت للقاء الدكتور مرسى، رابعاً، لأحذر من التداعيات الكارثية لاختزال خطة إنقاذ سيناء إلى المكون الأمنى فقط. فالأجهزة السيادية والتنفيذية فى مصر اعتادت خلال العقود الماضية على هذا الاختزال، ولم يلتفت فى حالة سيناء للكثير من الأزمات المرتبطة بالانتقاص من حقوق المواطن السيناوى بمعناها الشامل وغياب الحياة الكريمة والتنمية عن قطاعات واسعة من المجتمع السيناوى. حذرت من أن التعامل الأمنى فقط، وعلى أهميته القصوى اليوم ونحن نحاول القضاء على خلايا العنف والإرهاب فى سيناء، لن يمكّننا من التغلب على المخاطر والتحديات الراهنة فى سيناء التى أُهملت طويلاً والتى تحتاج اليوم لخطة ذات مكونات أمنية وسياسية ومجتمعية وذات أبعاد إقليمية لاستعادة سيطرة الدولة عليها وإعادة حقوق المواطنة بالكامل لأهلها.
ذهبت للقاء الدكتور مرسى، خامساً، لأسجل رفضى للوطنية الزائفة والمتطرفة التى دفعت البعض من مدعى السياسة والوطنية خلال الأيام الماضية لتحميل الفلسطينيين مسئولية الأحداث الإرهابية فى سيناء دون معلومات وللمطالبة بممارسة الانتقام والعقاب الجماعى باتجاههم بإغلاق المعابر بين غزة وسيناء وإغلاق أبواب مصر فى وجه الفلسطينيين. يخلط المروجون للوطنية الزائفة والمتطرفة هذه بين ضرورة الحفاظ على الأمن القومى المصرى الذى يقتضى إغلاق الأنفاق السرية (العلنية) بين غزة وسيناء بالكامل، وبين المعابر البرية بين القطاع وسيناء التى ينبغى فتحها على نحو منظم ومؤمّن بما يضمن رفع الحصار عن غزة وتمكين أهلها من الوفاء بمتطلبات حياتهم التجارية والصحية والإنسانية ولا يهدد أمن مصر. يخلط مروجو التطرف والتعصب (الذين استغلوا الجنازة الشعبية للشهداء المصريين لبث سمومهم بين الناس) بين ضرورة التعامل مع كافة الفصائل الفلسطينية، وبغض النظر عن توجهاتها، انطلاقا من قاعدة المصلحة المصرية والأمن المصرى وفى إطار التزامنا بحقوق إخواننا فى فلسطين وفى إطار التزامهم هم بعدم التلاعب بأمن مصر، وبين التهجم على فصائل فلسطينية بعينها كحماس وترويج الاتهامات ضدها دون أن يثبت تورطها فى الأحداث الإرهابية. حذرتُ، وفى حضور ممثلى قوى سياسية مختلفة، من خطر الوطنية الزائفة والمتطرفة وانزلاق الرأى العام فى مصر لقبول ممارسة الانتقام والعقاب الجماعى المقيت، وطالبت الرئيس بالتزام واضح بالتخلص من الأنفاق وتأمين المعابر المفتوحة بين غزة وسيناء بما يضمن أمننا ولا يأتى على حقوق إخواننا فى فلسطين.
لهذه الأسباب ذهبت!
المصدر: الوطن المصرية