كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
المبادرون أو الرياديون هم أولئك الشباب الموهوبون الذين تركوا طريق الوظيفة المعتاد، وحملوا أفكارهم التجارية على عاتقهم، ووضعوا جهدهم ليل نهار ليحولوها إلى حقيقة واقعة وقصة نجاح من رأس مال صغير، وبعيدا عن “الدلال” الذي تحظى به الشركات الكبرى ذات الميزانيات والفرق الضخمة.
في الأسبوع الماضي قدمت عددا من الدلائل على أن تشجيع المبادرات هو الحل رقم واحد عالميا لمشكلة البطالة، وعلى أن المبادرين أو الرياديين هم عادة من يقودون التحولات الجذرية في القطاعات الاقتصادية، لأنهم يغامرون ويفكرون ويبتكرون، بخلاف الشركات التي تحاول عادة اتباع السائد لضمان الأرباح الكبيرة.
على الرغم من ذلك كله، وعلى الرغم من وجود مجموعة كبيرة من المشاريع والهيئات الحكومية وصناديق الدعم والتمويل، إلا أن هناك فشلا حقيقيا في هذا الاتجاه، وهناك ضعف واضح في هذا الدعم مقارنة بدول العالم الأخرى، إلى درجة أن حجم دعم المبادرات في العالم العربي كله لا يصل إلى مستوى الدعم الموجود في دول صغيرة حجما مثل سنغافورة أو إسرائيل. لماذا يحصل هذا التقصير بينما يعاني العالم العربي، ومنه دول الخليج، من ارتفاع نسب البطالة، وفي نفس الوقت هناك مستوى لا بأس به من الوعي والسيولة المالية؟
قبل أن أحكي رؤيتي في هذا المجال، تحدثت مع راكان العيدي، وهو مهندس حاصل على الماجستير من أستراليا في مجال المبادرات، والمؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة “إندفور” endeavor في السعودية، ومؤسس نادي المبادرين السعوديين في أستراليا. وجهة النظر التي أطرحها في هذا المقال هي مزيج من تلك الأفكار التي تداولتها مع راكان بالأمس.
السبب الرئيسي لضعف دعم المبادرين والرياديين يعود في الحقيقة لمحدودية قصص النجاح، فالمؤسسات الحكومية في المملكة وخارجها التي أعلنت دعمها لهذا المجال، هرعت إليه في محاولة إيجابية لاستيعاب الشباب وتقديم الأرضية التي يبنون عليها أفكارهم وتشجيعهم معنويا ومساعدتهم كأبناء للوطن، ولكنها في الحقيقة لم تركز على مساعدتهم على تحقيق النجاح التجاري، ولم تقدم لهم الدعم المتخصص، ففشل كثير منهم، ونتيجة لهذا الفشل تضاءل الدعم الحكومي ودعم القطاع الخاص لهم، في حلقة متصلة لا تعرف فيها من أين يبدأ الفشل وأين ينتهي.
تعرفون ذلك المثل الذي يقول: “علمه الصيد بدلا من أن تطعمه سمكا”. ما حصل في كثير من المبادرات أن أعطوا الشباب صنارة الصيد حبا لهم ومراعاة لاندفاعهم المعنوي، ولكن لم يعلموهم الصيد، ففشلوا في الصيد، مما سبب ردة فعل في دعم الصيد بشكل عام. ما حصل بكلمات أخرى أن دعم المبادرين تم بطريقة غير منظمة لم تستفد من التجارب العالمية ففشل الدعم وفشل الشباب وضاعت فرصة هائلة. لهذا تجد أن مجموع الأموال التي استثمرت في المبادرات الخاصة بالإنترنت (وهي تمثل الحصة الأكبر من المبادرات لأسباب ذكرتها الأسبوع الماضي) قد وصلت إلى ذروتها في 2011، ثم بدأت التناقص في 2012، والمتوقع تناقص أكبر في 2013.
كيف يمكن مساعدة المبادرين في تحقيق النجاح؟ من خلال المرشدين Mentors الذين يساعدون هؤلاء الرياديين في المضي بمشاريعهم، ويقدمون لهم النصيحة المكثفة والمنظمة لتحقيق نجاحهم. في السعودية والإمارات والأردن تجد هذه الظاهرة، ولكن تجدها في إطار الدعم المعنوي و”تطوير الذات”، وبعيدا تماما عن الدعم المتخصص في مجال المشروع. يأتي الشاب المبادر بمشروع له بعد تقني وبعد إبداعي وبعد تجاري وبعد إعلامي، فلا يتوفر له من يساعده في أي من هذه الأبعاد، ويعتمد على نفسه، بينما هو من المستبعد تماما أن يملك خبرة كافية في كل هذه المجالات لإنجاح المنتج بالشكل اللازم، كما أنه لا يملك العلاقات التجارية الكافية التي تسمح له بالنجاح التجاري، فتنتهي قصته بالفشل، وقد تلتقطها شركة كبرى فتطبقها بعيدا عنه وتحقق ما تريد، بينما هو ما زال متعثرا بخطواته. هذا ما حصل مثلا مع “صندوق المئوية” الذي يستحق الإشادة لأنه بدأ مسيرة دعم المبادرين في السعودية قبل أكثر من 10 سنوات، ولكن الدعم الذي قدمه كان متركزا في دعم تطوير الذات وليس الدعم المتخصص الذي ينتهي بقصة نجاح للمشروع.
في أميركا وأوروبا وغيرها، تجد أن هناك على الأقل ثلاثة مشرفين لكل مشروع، يعطونه عددا معقولا من ساعات العمل كل شهر ليساعدونه على النجاح، وذلك برعاية وتمويل المؤسسات الداعمة. فشل المشروع فشل لهؤلاء المرشدين، ونجاحهم أمر يفتخر به المرشد، وقد يستفيد منه ماديا عندما يعرض عليه المبادر أن يكون جزءا من مجلس إدارة المشروع.
يقول راكان: هناك مشكلة ثقة بين الشباب والمرشدين، يخافون من المرشد الذي يسرق الفكرة وينسبها لنفسه، ونفس المشكلة بين الشباب أنفسهم، مما قلل من العمل الجماعي في تأسيس المشاريع، بخلاف دول العالم الأخرى التي تجد فيها احتفاء بتأسيس أكثر من شخص لمشروع واحد، بحيث تتعاضد الخبرات والجهود لتحقيق قصة النجاح. لهذا أسس راكان هاشتاق:
# رياديون.. باستخدام اللفظ الجماعي ليشجع على هذه الروح، وهو ما سيتحدث عنه راكان في ملتقى الإبداع وريادة الأعمال بمكة المكرمة الذي يبدأ غدا الثلاثاء.
مشكلة الثقة لها سبب أساسي وهو غياب الأطر القانونية التي تحمي المبادرين. المبادرون في السعودية وغيرها يحتاجون لمؤسسة تسجل أفكارهم وتحميها من السرقة عندما يعرضونها على المرشدين والممولين، وهو الهاجس الأكبر لدى كثير من هؤلاء الشباب.
إن الشباب السعوديين خاصة والعرب عموما يملكون الأفكار والحافز والطاقة الهائلة للعمل لتحقيق النجاح، يضحون من أجل ذلك بالكثير، ولكنهم يحتاجون أيضا لمن يساعدهم على الوصول إلى ضفة الأمان، ومن يقف وراءهم وهم يعلنون نجاحهم على الملأ. يحتاجون لمساعدة متخصصة ومنظمة ومؤسساتية إطارها الاحتراف وهدفها تحقيق الإنجازات التجارية الحقيقية على الأرض التي تقاس بالأرباح المادية وليس بالأبعاد المعنوية.
في الأسبوع القادم سأتكلم عن إندفور وعن تجارب رائعة لبعض الشباب السعوديين وكيف حققوا نجاحهم، حتى لا يظن البعض أن كلامي أعلاه هو تعميم الفشل على الجميع.
المصدر: الوطن أون لاين