كاتب إماراتي
صلى عليك الله، في الليلة الظلماء يفتقد البدر، فكيف بمن طلع بدره علينا من ثنيات الوداع؟!
ليتني كنت معك، أنظر إلى بدر وجهك بدلاً من انتظار حلم أو رؤيا مازلت أنتظرها منذ خمسة وثلاثين عاماً، ولم تأتِ بعد، صلى عليك الله، لو أن أحدنا انتظر رؤيتك بعمله لما رآك أحد من هذا الزمان، ابتعدنا كثيراً عن خير القرون، لكنْ لنا أمل برحمة الله، وبـ«قليل في الآخرين».
ليتني كنت معك، ليتني سُراقة، يعثر جوادي فأنهض، ثم يعثر جوادي فأنهض، ثم أرى بدر وجهك حين تبتسم، تبشرني بسوارَي كسرى، آه لو تعلم يا حبيبي ما يصنع كسرى في هذه الأيام، وكيف هي شهوة الملك في عينيه تضطرب! استعبدنا كسرى وقيصر، بعد أن حررتنا من عبودية الأصنام، فجعلناهما أصناماً جديدة لنا، لا نأكلها حين نجوع، بل نطعمها كي لا تجوع!
ليتني كنت معك، ليتني بلال، أشدو بما تحبه من ألحان، صلى عليك الله، أضاف بلال «خير من النوم»، وكنت تقول له «أرحنا بها يا بلال»، لم تخرجه من الملة ولم تقاطعه ولم تؤلب الناس عليه، بكى حين أذّن بعد عقود، وذكر أذانه لك، لأنك كنت لنا أباً وفارساً، وخيراً من ألف ألف ملك!
صلى عليك الله، ليتني كنت معك، ليتني كنت أباعمير، ألعب بالـ«نغير» أمامك، تراقبني، تداعبني، أي أرض ستقف أمام جيوش كان في أفرادها أطفال مسحت ذات يوم فوق رؤوسهم بيديك الطاهرتين؟!
ليتني كنت هرة في قميص أبي هريرة، أنظر إليه يجلس عند ركبتيك، فينهمر نهر علمك ألوفاً مؤلفة، تبقى لتنير طريق من شاء الله أن يهديه!
ليتني كنت سنان، يبذل أبي حياته في سبيل دعوتك فتسميني أنت له، أي فخر كنت سأحمل حين يسألني أحدهم: من سمّاك؟
ليتني زيد، حِبّك، يخيرني أهلي بين الحرية في مضاربهم، وأن أكون خادماً لديك، فأبقى خادماً عندك، ويكون ابني حبك وابن حبك، ويقال فينا «هذه من تلك»!
ليتني كنت «أُمامة»، ألعب على ظهرك حين تصلي، وتقوم فتحملني يداك، وتضعني على ظهرك، ثم تسجد ثم تقوم، ثم تطيل سجودك أكثر، كي ألعبَ أكثر، أي طفل ذاك الذي يضعه خير الورى فوق ظهره؟!
ليتني كنت أَنَساً، أراك في حياتك وحِلّك وترحالك، تدعو لي دعوة لا أريد من الدنيا بعدها شيئاً!
ليتني كنت سعداً، تغسلني بيديك وتكفنني وتبكيني كي أحيا ضاحكاً أبداً!
«الله يعلم أني كنت أغبطكم، إذا أتتني عنكم قال حدثنا»، صلى عليك الله، لو تراني حائراً في معرفة الحق، ألف ألف طريق لا أعلم أيها الذي كنت تريدني أن أكون عليه، كلهم يدعي أنه يمثلك، بعضهم بالحديد والنار، وبعضهم بسوء الخلق، وبعضهم بتحزب وفتنة، وبعضهم بنوم وترك الدنيا والآخرة، وأنا لست أدري ولا يبدو أنني سأدري،
ليتني كنت معك، ولم أرَ منهم أحداً!
المصدر: الإمارات اليوم