كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
في الوقت الذي قرأ فيه العالم كله البيانات، التي أصدرتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر في الخامس من يونيو، وهي تعلن قطع علاقاتها مع قطر، واستمع إلى الأسباب التي دعتها إلى اتخاذ هذا القرار، إلا أن وزير الخارجية القطري ما زال حتى اليوم يردد أنه ليست هناك مطالب محددة لما تريده هذه الدول من قطر، وأنهم لم يسمعوا إلا اتهامات مرسلة.
واضح أن الوزير يسمع ما يريد أن يسمعه، ويفهم ما يريد أن يفهمه، لذلك ندعوه إلى قراءة البيانات التي صدرت عن الدول الأربع بعناية، وتفريغها في جداول، وبذل القليل من الجهد، مثلما تفعل القنوات الفضائية والإذاعات والصحف، بالعودة إلى سجل الممارسات القطرية، خلال السنوات العشرين الماضية، لمعرفة إلى أي مدى تتطابق هذه الممارسات مع الاتهامات التي يقول الوزير إنها مرسلة، وإلى أي مدى تتعارض مع ما تحاول قطر ومسؤولوها أن ينفوه عن دولتهم، ولنأخذ على سبيل المثال البيان السعودي، ونحاول أن نقرأه؟
يقول البيان السعودي إن المملكة العربية السعودية قد اتخذت قرارها الحاسم هذا «نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلانية، طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة، تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة الإخوان وداعش والقاعدة، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائلها بشكل دائم».
يندد البيان بدعم قطر لنشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة العربية السعودية، وفي مملكة البحرين الشقيقة، وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً وخارجياً.. إلى آخر البيان.
بيان واضح لا لبس فيه، وقد جاء مهذباً إلى أقصى درجة، لأن التفاصيل التي انكشف بعضها، تبدو رهيبة، فوق ما يتصور العقل والمنطق، خاصة تلك المتعلقة بتعاون قطر مع نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وتخطيطها معه لاغتيال الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، عليه رحمة الله، في أثر خلافه الشهير مع القذافي في مؤتمر شرم الشيخ عام 2003، وسعي قطر إلى زعزعة نظام الحكم في السعودية.
توثق هذا التآمر التسجيلات التي تسربت لحوارات أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة، مع العقيد معمر القذافي، والتي يؤكد فيها أن لقطر علاقة مع جميع قوى المعارضة للملكة، وأن قطر أكثر دولة سببت إزعاجاً للسعودية.
ويتفاخر بأن تلفزيون ليبيا لا يستطيع أن يقول شيئاً عن السعودية، في حين أن قناة الجزيرة وحدها من يتكلم عن المعارضين السعوديين ويستضيفهم، ويضرب مثالاً على ذلك استضافتها لسعد الفقيه، الهارب من المملكة والمقيم في بريطانيا، الذي استضافته قناة الجزيرة أكثر من مرة للتعليق على الأحداث.
ويتعهد بالقضاء على العائلة الحاكمة في السعودية خلال 12 سنة، ويصف السعودية ومصر بأنهما الدولتان الرئيسيتان اللتان حلتا بالخزي على العرب، ويؤكد أن برنامج سعد الفقيه في المملكة مستمر، وهو الذي يحرض من الخارج على التجمهر في المساجد داخل المملكة، ويعترف بأنهم هم الذين خلقوا قناة «الحوار» في لندن، وأنهم هم الذين يغذون قناة «الجديد» في لبنان.
ويقسم بالله أنه لولا ارتفاع أسعار النفط الذي حدث خلال السنوات الماضية لما كان هناك الآن شيء اسمه السعودية، ويحض القذافي على عمل هذا المحور، وتشجيع الحركات الداخلية بهدوء، لأن من مصلحتهم دعمها، ويقول إن القضية قضية وقت، ويصف النظام السعودي بأنه نظام فاسد أذل مكة والمدينة.
هذا الحوار المسجل بالصوت، والذي يتداخل فيه مع حاكم قطر السابق أكثر من شخص، موجود ومنتشر على اليوتيوب، ولا نعتقد أن أحداً لم يسمعه، ويكمله تسجيل آخر لرئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، يقول فيه للقذافي أيضاً، إن المنطقة مقبلة على بركان.
وإن السعودية مقبلة على ثورة، شئنا أم أبينا، ويتحدث عن تقسيمها، ويصرح بأن سفارات قطر في لندن وباريس وروما وسويسرا تعمل على استمالة المبعوثين السعوديين في الخارج، وإغرائهم بالمال وتقديم المساعدات لتجنيدهم.
يوم الجمعة الماضي عرض تلفزيون البحرين تسجيلاً لعدد من المحادثات الهاتفية جرت في مارس 2011 بين مستشار أمير قطر حمد بن خليفة العطية والإرهابي البحريني الهارب حسن سلطان، تكشف تآمر قطر على إثارة الفوضى في البحرين، وبثها في قناة «الجزيرة» القطرية.
هذه ليست إلا نماذج من مؤامرات قطر على جيرانها وأشقائها وشركائها في مجلس التعاون الخليجي، وهي لا تمثل قطرة في بحر المؤامرات القطرية التي لم تستثن دولة الإمارات ومصر، وغيرهما من الدول العربية، بقصد إثارة الفتنة، وزعزعة النظام والاستقرار في هذه الدول، مستخدمة في ذلك المال، الذي أنفقت الدوحة منه نحو 65 مليار دولار، خلال السنوات الأربع الماضية فقط، على المؤامرات والتنظيمات الإرهابية، والمنابر الإعلامية التي تنفث سمومها في جسد الأمة، وتنشر الفتنة بن أبنائها. وبعد هذا كله يخرج علينا وزير خارجية قطر ليقول إنهم لم يسمعوا إلا اتهامات مرسلة.
هذه أيها الوزير ليست اتهامات مرسلة، وإنما هي وقائع تقوم عليها أدلة تعرفونها أنتم قبل غيركم، فلا تكابروا وتدعوا أنكم لم تسمعوا، وإذا سمعتم فيجب أن تعوا، وإذا وعيتم فعليكم أن تنتهوا، واتقوا شر الحليم إذا غضب.
المصدر: البيان