كاتب لبناني
تحظر جمعية أطباء النفس الأميركية على أعضائها إعطاء الرأي في أي شخصية عامة، باعتبار أنه يساوي أحيانًا الحكم بالإعدام على إنسان لم تعالجه عن قرب ولم تصغِ إليه ولا تعرف عنه سوى ما يقال. طُرحت المسألة مجددًا بعد صدور أحكام عامة على دونالد ترامب وتصرفاته وأدائه المثير للسخرية والخوف والتقزز معًا.
كثير مما يفعله ترامب يقع تحت باب «البروباغندا»، أي الدعاية الفاقعة مدحًا لنفسك وذمًا لخصومك. وبعض البروباغنديين يذهب إلى درجات قصوى في الكذب من دون التوقف عند أي رادع أو قاعدة، خصوصًا في الدول لاغية القوانين، كما في بعض العالم العربي.
وإذا كان توفيق عكاشة قد شكّل ظاهرة مثيرة ومحيرة في رحلاته الذهنية غير المحدودة، فإن بعض القنوات «الجديّة» تحولت إلى مصانع يومية لتسفيه الحقائق ونشر الأفكار الهابطة، من دون أي محاسبة. وتحت ستار «حرية الرأي» تشن التلفزيونات حملات مدمرة خالية من أي ضابط أخلاقي. وحتى الصحف الكبرى تسمح لكتّابها، أو محرريها، بإطلاق النعوت الرخيصة ما دام الشخص المعني «لا يخيف»، خارج القانون أو داخله.
وفي لبنان تلجأ القنوات على اختلاف مقاييسها في الحرية والقانون، إلى مقدمة سياسية لنشرات الأخبار، يقال فيها كل ما يقال وما لا يقال. ولعل قنوات لبنان هي الوحيدة في العالم التي لها «مقال افتتاحي» أسوة بالصحف المكتوبة. ولا تخضع هذه «الافتتاحيات» لمعايير ومفاهيم المقال الافتتاحي، وإنما هي في الغالب جزء من حروب البروباغندا القائمة في المنطقة.
ولم يعد مهمًّا ما كان شديد الأهمية من قبل، أي أن تكون القناة مستقلة من أجل مشاهد مستقل وحرّ، يريد المعرفة وليس العصبية؛ إذ ثمة سباق فاضح نحو أعداد المشاهدين بصرف النظر عن مستوى المنتج. وزادت الضائقة الإعلانية في هذا الانحراف المحموم. كما دخلت الصحف الرصينة في حمى اللحاق بأي نوع من القراء من خلال أي نوع من المادة الصحافية، مما يذكر بالحطّ الذي ألحقه روبرت ميردوخ بالصحافة الكبرى في الغرب، مكتوبة ومرئية.
وإذا كان ربح «المعركة» يتطلب الانزلاق نحو هذا الهراء، فلا شك أن البعض يفضل الخروج منها. إنها ليست مسألة مهنة، بل مسألة مجتمعات ودول، ويجب ألا ننسى أن توفيق عكاشة دخل البرلمان بأعلى عدد من الأصوات.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط