رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار
وجدت نفسي مضطراً بصفتي مواطناً سعودياً أن أكتب هذه المقالة تعليقاً على مقالة الكاتب القدير علي الموسى في صحيفة الوطن يوم السبت 6 ربيع الآخر1434 تحت عنوان (بعض مواصفات السعودي)، التي حشد خلالها مجموعة من المواصفات التي رأى أنها تمثل ملامح المواطن السعودي.
ولقناعتي التامة بأن المواطن السعودي ليس بحاجة إلى من يدافع عنه أمام هذه المجموعة من الصفات السلبية التي عممها الكاتب، واختزل فيها ملامح المواطن، الذي يشهد له تاريخه المجيد وأعماله الناصعة، وسعيه المستمر لتطوير ذاته، وتفانيه في تنمية حاضره؛ فقد رأيت أهمية المشاركة كوني مواطناً يعرف تاريخ وطنه، ويعايش عن قرب ما يحدث فيه من حراك تنموي واجتماعي واقتصادي، وشاهداً على المنجزات الهائلة التي تمت وما زالت في هذه البلاد على يد المواطنين عبر مراحل التاريخ، سواء كانوا في مناصب حكومية أو في قطاع خاص أو نحو ذلك.
ومع تقديري للكاتب الذي أعرف محبته لوطنه وغيرته عليه، ولصحيفة الوطن التي أتابعها كما يتابعها الآلاف غيري، إلا أنني لا أتفق البتة مع طرح الكاتب في تعميمه تلك الصفات السلبية على المواطن السعودي، ومنها قوله:
“السعودي هو من يشتم نظام الخصم على برنامج (حافز) حينما تقابله زبونا للنسخة الأخيرة من (الآيفون) ليدفع فيه ضعفي مكافأة حافز، وهو من اخترع في قاموس اللغة مفردة (طفران) وهو ينزل من سيارته (الكشخة) لآخر موديل ذاهبا لمكتبه الحكومي على المرتبة الرابعة. هو من ترك مقعده الجامعي بعد سنة ونصف من الفرصة ليتفرغ لمواقع التواصل الاجتماعي”، وقوله في اتهام مباشر بالفساد الأخلاقي: “تكتشف أن (ملفه الأخضر) مليء بشهادات مشتراة من مكاتب تدريب وكليات الشقق المفروشة”، وكذلك في وصفه للسعودي بأنه: “هو من يذبحك نفاقا عن وعظ الخصوصية في بلده ثم تجده على رأس كبار الزبائن للأسواق الحرة حينما ينزل أول مطار خارج الحدود”.
ولو تجاوزنا الجانب التاريخي لمواطن هذه البلاد الذي عاش على أرضها الطاهرة بانياً ومصلحاً ومثابراً، لم تخضعه الحاجة (أيام شظف العيش وقلة الموارد) للتنازل عن مبادئه وقيمه، فإنه لا يسوغ من أي منصف أن يعمم بعض السلبيات الفردية على أنها صفات تسري على الملايين من مواطني هذه البلاد الذين يعملون بتفانٍ وإخلاص لحماية وطنهم وتطويره وخدمته، وهذا للأسف ما يفهم من مقالة د. الموسى الذي يقول “هذا هو السعودي” بدل قوله إن هذه صفات غريبة لا تمثل المواطن السعودي؛ ولو استبعدنا في هذا الإيضاح الموجز كل إنجازات الوحدة الوطنية التي نهض المواطنون لتحقيقها مع المؤسس الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه، وحافظوا عليها عبر الأجيال، رغم المصاعب والتحديات السياسية والاقتصادية، ولو تجاوزنا كل ذلك، ونظرنا بحيادية إلى المواطنين السعوديين -الذين طالتهم بدون استثناء أوصاف الكاتب في مقالته- لوجدنا أن السواد الأعظم منهم والغالبية المطلقة تتسم بحمد الله بصدقها وأمانتها وجديتها، وبإخلاصها لربها ثم لوطنها، مع اتصافها باحترام الذات والقيم الإسلامية العربية الراسخة التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، التي اتخذت من الإصلاح والثبات على المبادئ والعدالة منهجاً راسخاً لهذا الوطن؛ وأجزم أن ما ذكره الكاتب من صفات لا يمكن إلا أن تكون استثناءات وحالات لا يخلو منها أي مجتمع في العالم.
إنني أرى أن أبرز ملامح المواطن السعودي الذي أعرفه هو ذلك الشهم الذي يضع عنقه حائلاً دون شرف أهله وحرمه. المواطنة التي أعرفها هي تلك الأم والمعلمة التي تقطع المسافات كل يوم لتنير لطالباتها آفاق المعرفة، دون أن تسمح لذلك التكليف بأن يعكر تفانيها التام لأسرتها.
السعودي الذي أعرفه هو ذلك الابن والابنة الحريصان على مرضاة والديهما في حين لجأ الغير في مجتمعات أخرى للتخلص من أعبائهم وإلحاقهم بدُور العجزة. السعودي الذي أعرفه هو ذلك الشاب الذي حافظ على الصلاة في مساجد الله وارتكن إلى قراءة كتابه الكريم رغم المفاتن التي تنتشر حوله في كل مرقب. المواطنة التي نعتز بها هي تلك الفتاة المتحلية بأخلاقها، المتفوقة في منجزاتها في شتى المجالات. السعودي الذي أعرفه هو ذلك الخيّر الذي ينفق ماله سراً وعلانية على كل محتاج، وأمثال هؤلاء أعرفهم جيداً وأراهم كل يوم بحكم عملي في المجال الخيري على أكثر من مستوى. السعودي الذي أعرفه هو الذي يعمل على مدار الساعة لإسعاف المصابين وعلاجهم في آلاف المواقع عبر بلادنا الشاسعة. السعودي الذي أعرفه هو ذلك الفرد الذي يعتز بماضي آبائه وتراثهم، ويبادر لترميم قريته التي احتضنت أجداده لتكون شاهداً على تاريخ مجيد ومورد اقتصادي وارف، وواحة اجتماع لأهل بلدته وأبنائهم وزوارهم.
السعودي الذي أعرفه هو صاحب الأخلاق العالية المبتسم المستنير، الذي أغاث بعد الله القاصي والداني وعمر المساجد في أقاصي المعمورة وجاهد بماله وولده في سبيل الدعوة إلى دين المصطفى على مدى عقودٍ دون انقطاع. السعودي الذي أعرفه هو ذلك المسؤول في منصبٍ عام والذي يرفض كل العروض المغرية التي تعترض طريق قيامه بواجباته وأمانته. السعودي الذي أعرفه هو ذلك الحصن المنيع، والجندي الذي يرخص نفسه وراحته ليذود عن حمى وطنه وردع ضلال فئات الجهل والترويع. السعودي الذي أعرفه هو ذلك القائد، والسياسي والدبلوماسي المحنك الذي صمد كجبال السروات الأبية في وجه الأمواج والمحن المتكررة التي انساق خلفها الآخرون.
أرى المواطن السعودي الذي يمثلنا جميعاً في التواضع الكبير لملكه المصلح الذي قال إنه: “خادم للشعب وأقل من خادم”، أراه في المواطنين المتمسكين بقيمهم الإسلامية السمحة، والممارسين لحياتهم بفطرتهم المعتدلة، والبارزين -رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً- في المجالات العلمية والمعرفية والإنسانية. والسعودي الذي نعرفه جميعاً هو وريث أولئك الآباء والأجداد الذين ضحوا بشبابهم يوما ما لبناء كيانٍ شامخ، ووحدةٍ نعيش اليوم تحت ظلها، وننعم بأمنها ونقطف ثمار نهضتها.
لقد عبّرت في أكثر من مناسبة عن قناعتي بصفتي مواطناً بأن النقد البنّاء جزء مهم في الإصلاح الذي تنشده الدولة ويمارسه المواطن حقاً مكتسباً، وتؤكده قيادتها ومواطنوها كل يوم، وأن من واجبنا جميعاً توجيه النقد والمشاركة في الحوار والرأي طالما كان الغرض من ذلك الإصلاح والاستقرار، إلا أن النقد يجب أن يستند إلى الحقيقة والواقع وليس إلى العاطفة المبنية على آراء غير دقيقة أو شائعات المجالس دون التثبت، وأن يصدر عن معرفة تامة وحقيقية بتاريخ هذا الوطن ومنجزاته ومجتمعه الحقيقي، وحراكه المستمر نحو الإصلاح والبناء، وما واجهته الأجيال عبر مراحل تاريخية متعاقبة حتى استقرت وحدتنا المباركة التي ننعم بها اليوم ونتمسك بها كمكسب للأجيال القادمة. وأؤكد دائما أن زيارة أرجاء البلاد والتعرف على المواطنين عن قرب، والمنجزات التنموية هي أولى خطوات تفعيل الدور المهم للمواطن ومشاركته بشكل صحيح في الإصلاح والبناء للمستقبل، إذ لا يمكن أن يأتي الإصلاح بجلد الذات المبني على التقليل من كل مكتسبات الوطن والمواطنين واختزالها في سلبيات محدودة.
والمواطن السعودي، أولاً وآخراً هو إنسان، وبالتالي ليس كاملاً أو بدون أخطاء، ولكن التعميم بالسلبية على إنسان هذه الأرض المباركة أمر غير مقبول منطقياً، وفي رأيي أنه لا يمت للواقع والإنصاف بأي صفة، وأن ما ذكرته في مقالتي هذه من صفات ليست بأساطير، بل هي ما يمثل المواطن السعودي بشهادة القاصي والداني، هم أنت وأهلك وجارك ورفيقك. هم زميلك في العمل ورئيسك، هم المصلي إلى جوارك.
المصدر: الوطن أون لاين