كاتب لبناني
دوَّن الرحالة والدبلوماسيون الأجانب، الأشياء البسيطة التي لا نعيرها اهتمامًا. المعتمد السياسي البريطاني في الكويت هارولد ديكسون (1929) سجل أدوات المطبخ في الخيام. الرحالة الدنماركي رونكاير دوّن بالتفصيل حركة السوق في الكويت أوائل القرن العشرين. البريطاني تيسيجر، سجل عادات البدو البسيطة، وتوقف عند الشيخ زايد يوم كان حاكمًا على العين، ليصف كيف يدعو جميع الناس إلى الغداء معه في «القلعة» هناك.
إذا أردت أن ترسم صورة حياتية مفصلة للعالم العربي منذ القرن الثامن عشر، عليك بما ترك الأجانب من كتابات ورسائل ومذكرات. رسائل فلورانس نايتنغيل، مؤسِسة مهنة التمريض، إلى أهلها من مصر. ورسائل الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير، من إسكندرية القرن التاسع عشر. لم يصف فلوبير خلال إقامته في مصر البيوت والشوارع فحسب، بل ذهب أيضًا إلى الأماكن الممنوعة ليكتب عنها.
أدب الرحلات هو أدب التاريخ والجغرافيا والجمال والأسطورة والحياة. لولا الرحالة والكتّاب والمستكشفون والرسامون، لكان ثلاثة أرباع العالم، على الأقل، مجهولاً بلا أثر. طالما حلمت منذ أن انتقلنا إلى العيش في لندن، أن أجمع لوحات روبرتس وإدوارد لير عن الشرق، لكنها كانت أبعد من أحلامي بكثير. وذات مرة رأيت لوحة ضخمة وشهيرة لإدوارد لير معروضة في إحدى واجهات بوند ستريت، فذهبت إلى صديق مقتدر وقلت له هذه أجمل لوحة عن لبنان. لكنه لسبب عنده، لم يتحمس كثيرًا للفكرة. لا أعرف أين هي اللوحة الآن، لكنني واثق من أنها أصبحت قطعة متحفية لا تقدر بثمن.
لم يكن لير رسامًا فحسب، بل كان شاعرًا وموسيقيًا وأديب أسفار. وبدقة الرسام كان يكتب الانطباعات. ومن «أطرف» ما قرأت له وصف مأدبة عشاء أقامها له الباشا التركي في قلعة شكودر، ألبانيا، 1848، إليكم هذه السبحة:
«لا شيء كان مفاجئًا في هذه المأدبة السخيّة: ضان، عسل، سمك، فاكهة، مشوي، مسلوق، يخنة، مقلي، خضار، لحوم، طازج، ملح، كبيس، زيت، فلفل، سائل، حلو، مرّ، ساخن، بارد. وقدمت أطيب الحلوى فورًا بعد السمك، تبعها لحم البقر، عسل وكعك، إجاص (كمثرى) ودرّاق، ثم سلطعون، غنم مسلوق، حلوى بالشوكولاته، ثوم، طيور، أجبان، أرز، حساء، سمك نهري وقنبيط. كان فوضى من الأطعمة».
لن ترى شيئًا من هذا عند ابن بطوطة. العربي يتحدث عن الكرم، أما ذكر التفاصيل فيعتبره مهينًا. الأجنبي قادم من حيث العشاء صحن واحد، أو اثنان.. يقيم السفير العربي حفلاً يقدم فيه أفرشة من الأطعمة. ويدعو السفراء الأجانب إلى حفل يقدم خلاله جاط من الحمص «للتغميس». ولا أدري مَن على حق.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط