رئيس مركز الأهرام للترجة والنشر ، حاصل على دكتوراة الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة 1992
تاريخ جديد لمنطقة الشرق الأوسط تكتبه الأحداث والتفاعلات الجارية في مصر منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي وإنهاء حكم جماعة «الإخوان» بعد انتفاضة 30 يونيو الشعبية الكبرى. وكما يحدث عادة في حالة أي زلزال كبير، لا تقتصر ارتداداته على المكان الذي يقع فيه بل تنتشر في الأرجاء المحيطة به.
وكان فشل تجربة جماعة «الإخوان» في حكم مصر زلزالاً كبيراً من النوع الذي تترتب عليه بالضرورة ارتدادات تؤثر في مستقبل المنطقة. فلم يكن مرسي مجرد رئيس فاز بصعوبة شديدة في انتخابات أُجريت في ظروف غير طبيعية وفشل في مهمته فثار الشعب عليه وعزله، فقد أسقطت انتفاضة 30 يونيو جماعة «الإخوان» التي سعت إلى الهيمنة على الدولة مستغلة وجود مرسي في قصر الاتحادية الرئاسي. وهذه الجماعة هي المركز الرئيسي لتيار «الإخوان» الذي نشأ في مصر عام 1928 وانتشر خارجها. فهي تعتبر «الجماعة الأم» بالنسبة إلى مختلف جماعات «الإخوان» وأحزابهم في كل مكان، سواء التي تنضوي تحت لافتة «التنظيم الدولي للإخوان» بصورة علنية أو ترتبط به فعلياً.
ومن الطبيعي أن تكون جماعات «الإخوان» وأحزابهم في العالم العربي هي الأكثر تأثراً بارتدادات الزلزال الذي ضرب مركزهم في مصر، وخاصة تلك التي وصلت إلى السلطة وتقود ائتلافات حكومية في تونس والمغرب أو تشارك في السلطة وتوجهها من وراء ستار في ليبيا واليمن. لكن أثر هذا الزلزال على «حزب العدالة والتنمية» التركي لم يكن أقل قوة، بل ربما أكثر. فقد أصبح النموذج الذي قدمه هذا الحزب، ولقي إعجاباً لسنوات، في مهب الريح، وتفاقمت المشاكل التي تواجه المشروع الإقليمي لزعيمه رئيس الحكومة أردوجان. كما كشف الزلزال المصري مدى ارتباط هذا الحزب بجماعات «الإخوان» وأحزابهم وتنظيمهم الدولي، رغم حرصه منذ تأسيسه على إنكار هويته الإخوانية لأسباب تتعلق بالوضع الداخلي في تركيا. فقد تصدى «حزب العدالة والتنمية»، وأردوجان بصفة أساسية، لقيادة الحملة العالمية التي نظَّمتها الأمانة العامة لـ«التنظيم الدولي للإخوان» بزعم أن عزل مرسي حدث من خلال انقلاب عسكري.
ومثلما كشف الزلزال المصري حقيقة انتماء الحزب الحاكم في تركيا فعلياً إلى حركة «الإخوان» في العالم وتنظيمها الدولي، أظهر أيضاً أن هذا التنظيم الفضفاض يمتلك إمكانات كبيرة في مجال الاقتصاد والإعلام والدعاية والعلاقات العامة.
وكان دعم حزب حاكم في دولة كبيرة وقوية مثل تركيا خير عون للأمانة العامة لـ«التنظيم الدولي للأخوان»، حيث استضافت إسطنبول اجتماعاً طارئاً نظمته هذه الأمانة على عجل يومي 13 و14 يوليو الماضي لوضع خطة لمواجهة التغيير الذي حدث في مصر ومساندة جماعة «الإخوان» فيها إعلامياً ومالياً لإحباط خريطة المستقبل الجديدة. كما قام حزب «حركة النهضة» في تونس، ومازال، بدور رئيسي في تنظيم الحملة العالمية ضد انتفاضة الشعب المصري، رغم أن زعيمه الغنوشي هو أكثر قادة جماعات «الإخوان» وأحزابهم معرفة بمقدمات فشل مرسي وتفاصيل الأزمة التي أخذت تتفاقم في القاهرة منذ يناير الماضي. فقد قام الغنوشي بوساطة بين سلطة «الإخوان» والقوى التي كانت تعارضها وفي مقدمتها «جبهة الإنقاذ الوطني» خلال وجوده في القاهرة في مايو الماضي. ولذلك فهو يعرف بالضرورة أن تشدد قيادة «الإخوان» في مصر وعنادها وعجز الرئيس المنتمي إليها عن استيعاب الواقع، هو ما أدى إلى عزله.
وربما كانت وساطة الغنوشي تلك معبرةً عن إدراكه خطر فشل حكم «الإخوان» في مصر على جماعاتهم وأحزابهم في بلاد أخرى، وخاصة في تونس، فكان معارضو الائتلاف الذي هيمن عليه حزب «حركة النهضة» قد حذوا حذو نظرائهم في مصر إلى حد تأسيس حملة حملت الاسم نفسه (تمرد) الذي كان بمثابة «كلمة السر» في الانتفاضة التي أدت إلى عزل مرسي.
وما أن حدث ذلك حتى دوَّت أصداء شعار «يسقط… يسقط حكم المرشد»، الذي هز شوارع مصر وميادينها، في تونس وبلاد أخرى وصلت جماعات «الإخوان» وأحزابهم إلى الحكم فيها. واقترنت أصداء هذا الشعار بالاستياء الناجم عن تعثر الحكومات الانتقالية في تونس وليبيا واليمن، والأزمة التي تواجه الحكومة التي يقودها «حزب العدالة والتنمية» في المغرب.
وتبدو تونس هي الأكثر تأثراً بالزلزال المصري الذي وضع «حركة النهضة» في أكبر مأزق منذ تشكيل الائتلاف الثلاثي الذي تقوده في خريف 2011. وظهر ذلك في تراجع قدرتها على التحكم في هذا الائتلاف الذي نجحت في تطويعه على مدى ما يقرب من عامين. لذلك اضطرت إلى التراجع عما اعتبرته خطاً أحمر، وهو حل المجلس الوطني التأسيسي، وطلبت الحوار عندما تصرف أحد شريكيها في الائتلاف (التكتل من أجل العمل والحريات) بشكل مستقل عنها وقرر زعيمه تجميد عمل هذا المجلس الذي يتولى رئاسته.
ووصلت ارتدادات الزلزال إلى المغرب، حيث يقود «حزب العدالة والتنمية» (المسمى على اسم الحزب الحاكم في تركيا) ائتلافاً هشاً ازداد ضعفاً بعد انسحاب أكبر الأحزاب الديمقراطية (حزب الاستقلال) منه. فلم يعد أمام رئيس الحزب ذي الهوية «الإخوانية»، عبد الإله بن كيران، إلا قبول شروط أحزاب كان يرفض التعامل معها لتأمين أغلبية برلمانية جديدة بقيادته، لكن من موقع أضعف، رغم أن معظم الأحزاب الديمقراطية لا تستعجل إسقاطه. فالظاهر أنها تفضل الاسترخاء على مقاعد المعارضة وحصر ما يفقده الحزب الإخواني من شعبية.
كما ترددت أصداء فشل جماعة «الإخوان» المصرية في ليبيا واليمن أيضاً، حيث يشارك حزبا «العدالة والبناء» و«التجمع اليمني للإصلاح» في الحكومتين الانتقاليتين المتعثرتين في البلدين.
وتحاول جماعة «الإخوان» الليبية وحزبها (العدالة والبناء) البحث عن طريقة لمواجهة المأزق الذي تجد نفسها فيه، بعد أن أصبح قطاع أكبر من المجتمع أكثر جرأة في مهاجمتها. غير أن إعلان بعض قادتها أن حزبها سينسحب من الحكومة والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) مع بقاء وزرائه وأعضائه فيها كأفراد يبدو نوعاً من التحايل المكشوف الذي لا يفيد في مواجهة مأزق بهذا الحجم.
أما حزب «التجمع اليمنى للإصلاح»، الذي حصل على ما يفوق حجمه بكثير في الحكومة الانتقالية ومؤسساتها، فقد التزم الصمت رسمياً في الوقت الذي اتخذ بعض قادته وكوادره أكثر المواقف تطرفاً في أوساط جماعات «الإخوان» وأحزابها ضد انتفاضة الشعب المصري.
وهكذا، لم ينج أي من جماعات «الإخوان» وأحزابهم التي وصلت إلى السلطة من ارتدادات الزلزال المصري التي أصابت أيضاً الكثير غيرها على نحو يضعف فرصة أي منها في الانتقال من المعارضة إلى الحكم.
المصدر: الاتحاد