كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
لم يكن رحيل – بل استشهاد – الروائي والقاص السوري محمد رشيد الرويلي الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي عاديا، بل كان مأساويا مؤلما على يد أبناء بلده من “قتلة” النظام السوري الذين دخلوا بيته ونهبوه وعاثوا فسادا في محتوياته ثم اقتادوه إلى جهة غير معلومة. وفشلت كل محاولات أهله ومعارفه المقربين في إطلاق سراحه أو معرفة مكانه، لتظهر جثته الأسبوع الماضي وقد تفسخت، لتشير الترجيحات إلى أن “القتلة” أعدموه قبلها بشهرين، أي في اليوم ذاته الذي اعتقلوه فيه من غير ذنب ارتكبه سوى أنه قرر ألا يغادر مدينته، ويصبح إن فعلها لاجئا داخل وطنه أو خارجه. فالتزم بيته ليكتب عن المرحلة، مفضلا الصمت على الوقوف في صف النظام ضد الشعب الثائر.
الرويلي الذي رحل عن 65 عاما، أعرفه عن قرب، شخص ظريف مرح، عاشق للكتابة منذ صغره، ومحب لبلده ومدينته دير الزور بفراتها وغَرَبها ونخيلها. يشكل رحيله خسارة للأدب السوري. لكن النظام الذي صار يقتل عشوائيا لم يعد يميز بين رجل وطفل وامرأة ومبدع وفنان ومسنّ… القتل صار السمة الوحيدة في بلد سيعود جميلا بعد زوال الطغيان، لكن إعادة الإعمار ستكلف، وإعادة التوازن للنفوس وإخراج الأطفال من اضطراباتهم الذهنية سوف تكلف أكثر، فهي تحتاج أعواما كثيرة من التعايش والأمان اللذين كرس النظام جهده لهدمهما وتخويف الشعب مما يحدث بعد سقوطه.
إن أنهى مجرمو النظام السوري حياة الرويلي، فإنهم لن يستطيعوا إنهاء حياة شعب ثار ولن يهدأ حتى يحقق مراده. وكتْم إبداعات كاتب لن يقضي على كتابات الآخرين، فالجميع سوف يؤرخ للمرحلة المستحيلة لشعب لن يهزه النظام مهما فعل. فالغاية ارتسمت، والغد يلوح في الأفق حتى وإن طال زمن الوصول، لكنه حتمي فهي سنة التاريخ، وما من طاغية ثار شعبه عليه إلا وأسقطه، لكن الطغاة لا يعتبرون أو يتعظون.
لم يكن النظام السوري جيدا على المستوى الداخلي على مدى أربعة عقود، ولم يفعل كالأنظمة التي تحترم شعوبها فتعمل على الارتقاء بالمستوى المعيشي وتحقيق الأمن والراحة للمواطنين، بل كان يعمل لتحقيق أمنه لضمان استمراريته، فقمع البشر وتجبّر شخوصه حتى كرههم الناس، لكن الخوف ألجمهم… هذه الحقائق وغيرها سيكتبها على صفحات التاريخ أصحابُ الأقلام الناضجة التي لم تلوَّث بالنفاق للنظام.
الطريقة التي رحل بها الرويلي مأساوية، لكن الوطن لن ينضب فيه الإبداع، لتصبح كل القصص المأساوية شاهدا على زمن إجرامي لم يعرف له التاريخ مثيلا.
المصدر: الوطن اون لاين