كاتب وإعلامي سعودي
في مجتمعنا وفي الآونة الأخيرة كثيرة هي المؤتمرات التي تعقد حول أوضاع المرأة السعودية، ولاسيما قضية عمل المرأة، والغريب أن أول ما يتبادر إلى الذهن أن تلك الجهات هي بالفعل تسعى إلى الدفاع عن حقوق المرأة وحقها في العمل في بيئة مناسبة تحفظ حقوقها، ولكن الغريب أن الصور لتلك المؤتمرات تعطينا كيف ينظر منظمو تلك المؤتمرات إلى المرأة في مجتمعنا، إذ نشاهد صور الرجال فقط وهم يناقشون قضايا المرأة، فيما المرأة – للأسف – لا حضور لها.
إما أنها غير موجودة فعلاً، والرجال هم من يناقشون قضاياها أو أن صور النساء المشارِكات ونشرها في تلك المؤتمر يمثّلان أزمة للجهات المنظمة، فكيف بهذه العقلية والنظرة الدونية إلى المرأة نتوقع أن تخرج توصيات من تلك التجمعات تعطي المرأة حقوقها؟ قد لا أكون متشائماً إذا رجّحت أن الهدف غير المعلن لتوصيات تلك المؤتمرات هي ضد المرأة لإقصائها، ونحن نقرأ ونشاهد المحافظة على المرأة في مجتمعنا وكأنّ من يسمع مثل تلك التصريحات يوقن أن نساءنا خرجْن عن الأوضاع الطبيعية في أي مجتمع، فنجد مثلاً التركيز – ولو في شكل غير مباشر – على أننا نعيش في مجتمع له خصوصيته. وكم استُخدمت هذه المفردة لدينا في التهميش لدور المرأة وحرمانها من حقوقها، فمثلاً لم أقرأ في توصيات أي من تلك المؤتمرات حق المرأة في أن تقود سيارتها بنفسها وتذهب إلى عملها، وهل هذا لا يدخل في حقوق المرأة ويقلل من المخاطر والمضايقات والأعباء الاقتصادية والاجتماعية عليها؟ في الوقت الذي تطالب به بعض تلك اللقاءات بمعالجة الحوادث التي تتعرض لها المعلمات العاملات في أماكن بعيدة من مقر إقامتهن، فلماذا إذاً لا تُناقَش في هذه المؤتمرات قضية حق المرأة في قيادة السيارة؟
والغريب أننا نقرأ دائماً في توصيات مؤتمرات المرأة لدينا التركيز على أهمية «العمل عن بعد» للمرأة السعودية، والحقيقة أن هذه الآلية لا غبار عليها من ناحية المبدأ ليس للمرأة بل للمجتمع ككل، وهي منتشرة في العالم، ولها فوائدها الاجتماعية والاقتصادية والبيئة، ونحن نلحظ أن الكثير من النساء بدأن ممارسة أعمالهن من المنازل، وأُقرت بعض الأنظمة لتنظيم هذا الشكل من الممارسة، ولكن مؤتمراتنا عن المرأة لديها مشكلة أساسية في خروج المرأة إلى سوق العمل أو مقر عملها، بل إن بعضهم عنده مشكلة في خروجها من المنزل أصلاً.
ونجد التركيز على ما تتعرض له المرأة من الابتزاز والتحرش في أماكن العمل، وكلنا يعرف الحملات الممانِعة لعمل المرأة لدينا، وكان آخرها عملها في محال بيع المستلزمات النسائية، ونتذكر طوابير المحتسبين على باب وزير العمل، رافضين عمل المرأة، فهذا يلخِّص موقف بعضهم من عمل المرأة وحضورها في مشهدنا الاجتماعي، وأنا لا أنكر أن هناك بعض الممارسات والمضايقات التي تتعرض لها بعض النساء العاملات هنا، ولكن هذا يحدث في كل مجتمع، والكفيل بمنع ذلك ليس بحجر المرأة في بيتها، ولكن بتطبيق الأنظمة والقوانين التي أقرتها الجهات الرسمية، كما هي الحال في كل قضايا العمل وغيرها، الرجال والنساء على السواء. وفي بعض المؤتمرات نجد مشارَكة خجولة للمرأة، والأدهى أن من يشاركن فيها يمكن وصفهن بأنهن ضد عمل وقضايا المرأة. وللأسف يستخدم الخطاب الديني في التضييق على المرأة العاملة لدينا، بل قد أقول إن بعضهن يقفن ضد النساء في حق العمل، وقد قرأت مثلاً توصية لإحدى تلك اللقاءات بإعطاء ربات المنازل مبالغ مقطوعة، والهدف – في اعتقادي لمثل هذه التوصيات – هو كسب التأييد الشعبي لمثل هذا المطلب، وهو ما يحدث دائماً، ولكن الهدف غير المعلن هو تشجيع بقاء المرأة في بيتها، وهذا المطلب لا يمكن تطبيقه من الناحية العملية، ولن يحل مشكلات المرأة لدينا، فدولة مثل دولتنا تفتح الجامعات وبرامج الابتعاث للمرأة لا يمكن أن تعطي مثل هذه الرواتب للنساء في منازلهن، فنحن لسنا بحاجة إلى زيادة البطالة المقنعة، فقيمة الإنسان – رجلاً أو امرأة – بالعمل الذي يقوم به ويُشعر بأهميته في تنمية وطنه وذاته.
المصدر: الحياة